فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

عقد الإيجار ينفسخ بفقدان منفعة المؤجَّر

عقد الإيجار ينفسخ بفقدان منفعة المؤجَّر

السؤال:

من عبدالله بن زيد آل محمود، إلى الأفاضل علماء هيئة التمييز بالمملكة العربية السعودية، حفظهم الله بالإسلام، وأسدى عليهم سوابغ النعم والإحسان.

الحمد لله: سألني أحد القضاة الكرام قائلاً: إنني أحب أن أتفاهم معكم بما أرجو أن أستفيد منكم، وذلك أنه يوجد في سائر بلدان المملكة أوقاف كثيرة استأجرها أناس من المتولين لها ممن ينتسب إلى ولاية هذه الأوقاف لكونها آهلة، فيؤجرها بعشر سنين وعشرين سنة وثلاثين سنة وأقل وأكثر، على أن يقوم المستأجر بعمارتها، ثم يسكن بإيجار مسمى معلوم يدفعه كل عام، وفي هذه السنين صدر من الحكومة ما لا يخفى على أحد، وذلك في فتح الطرق في البلاد، فيتناول الطريق كثيرًا من بيوت الأوقاف، وجرت العادة إقامة لجنة عدليّة في البلاد تقوم بتثمين الأرض، ثم تثمين البناء الذي وضعه المستأجر لكون القص والاقتطاع يستأصل مثل هذه البيوت؛ أرضها وبناءها؛ لتوسيع الطرق ومواقف السيارات، وجعلها مدارس وغير ذلك من الحاجات، قال: فلا أدري عن طريق الحكم في فصل حق المستأجر من حق المالك.

الجواب [رقم: 215]:

فأجبته بأن القضية في هذه المسألة واضحة جليّة، حيث قال العلماء: إن الإيجار الصحيح يلزم على حالته إلى انتهاء مدته، وإنه متى تعطل الانتفاع بهذا المستأجر بأن أخذته الحكومة مثلاً للانتفاع العام فإن العقد فيه ينفسخ لفقدان منفعته، أشبه البعير المستأجر إلى مكة فيموت في أثناء الطريق، ومتى انفسخ العقد فإن المستأجر يرجع بقيمة بنائه حسب ما قدرته له اللجنة العدلية، كما أن صاحب الأرض (أي: ولي الوقف) يرجع بقيمة أرضه بالغة ما بلغت، قال في الروض المربع شرح زاد المستقنع ص102:

وإن اكترى أرضًا لزرع فانقطع ماؤها أو غرقت انفسخت الإجارة في الباقي من المدة؛ لأن المقصود بالعقد قد فات، أشبه ما لو تلف.

وقال في الإقناع وفي شرحه ص320:

قال الشيخ تقي الدين فيمن احتكر أرضًا بنى فيها مسجدًا أو بناء وقفه عليه: متى فرغت المدة وانهدم البناء زال حكم الوقف وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها، وما دام البناء قائمًا فيها فعليه أجرة المثل، قال في الإنصاف: وهو الصواب، ولا يسع الناس إلا ذلك. انتهى.

وهذه المسألة جلية عند الفقهاء، قد تتابعوا فيها بالقول بذلك، فقال القاضي: هذا هو المتبادر إلى علمي، وقد حكمت بموجبه، ولكن المشايخ أو قال: علماء هيئة التمييز ردوا حكمي بذلك، وكأنهم يحاولون أن يحكم للمستأجر بأكثر من حقه من قيمة الأرض، حتى إن بعض الناس في البلاد، وخاصة المستأجرين، قد استولوا على قيمة الأرض وقيمة البناء.

مع العلم أن الحكومة واللجنة المنصوبة لتقدير قيمة الأملاك من قبلها يزيدون في تثمين البناء، كما يزيدون في تثمين الأرض، فالمستأجر يأخذ حقه من زيادة التثمين في بنائه، فقد يبني في هذا البيت في حالة رخص الأسعار بعشرة آلاف أو أقل أو أكثر، فيقوم له بناؤه بأربعين ألفًا أو أقل أو أكثر.

هذا حاصل ما يقوله فضيلة القاضي، وأن هذه من المسائل الجلية الظاهرة، وكونه لا حق للمستأجر في غير قيمة بنائه، كما لا حق لأهل الأرض في غير قيمة أرضهم، فكل واحد منهما يقف على حده ويقنع بحقه بلا ضرر ولا إضرار.

أما أخذ زيادة من قيمة الأرض، أو كونه يحكم للمستأجر بقيمة الأرض والبناء، فهذا مما لم يقل به أحد من العلماء؛ إذ عقد الإجارة وقع على المنفعة، ومتى زالت المنفعة انفسخ العقد بزوالها، ورجع كل ذي حق على حقه، ودعوى بعضهم أن هذا المستأجر متى زالت الأرض عنه وزال بناؤه فإنه لن يجد ما يعوض عن أرضه بالقيمة المناسبة، فهذه حجة داحرة، فإن ذهاب هذه الأرض بما فيها من البناء واقع على الجهتين، صاحب الأرض والمستأجر، والخصم فيها هو الحكومة، والمضار الجزئية التي تصيب المستأجر أو تصيب أهل الأرض مغتفر في ضمن المصالح العموميّة، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

فلا يزال ضرر المستأجر بضرر المؤجر صاحب الأرض؛ إذ الضرر لا يزال بالضرر.

وربما أن هذه القضية تعتبر من القضايا العامة التي قد وقع الناس فيها في كل مكان.

أحببت التفاهم فيها مع المشايخ الكرام، مع علمي أن حقيقة خبرتهم ستسبقني إلى صحة ما أقول.

وأرجو متى تبين لهم خلاف ما أقول فإنهم يرفعونه لنا للاستفادة منه.

والله خليفتي عليكم، وأستودع الله دينكم وأمانتكم.

والباري يحفظكم.

عبدالله بن زيد آل محمود
رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بقطر

***