فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

الفرق بين الطلاق الشرعي والطلاق البدعي

الفرق بين الطلاق الشرعي والطلاق البدعي

السؤال: ما هو الطلاق الشرعي والطلاق البدعي؟ [7/190]

الجواب [رقم: 186]:

شرع الله الطلاق، وما أحسن الفراق إذا لم تتلاءم الأخلاق، وهذا الطلاق بما أنه مباح ومشروع، لكنه بغيض عند الله، كما في الحديث أن النبي ﷺ قال: «أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللهِ الطَّلاَقُ» [رواه أبو داود (2178)، وابن ماجه (2018)، والحاكم (2794) من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه أبو داود (2177)، والبيهقي (7/527) (14895 - 14896) مرسلاً، ورجح إرساله أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه (4/117) (1297)، والدارقطني في العلل (3123)]. لأنه يحدث العداوة والبغضاء بين الأصهار، ويقطع النسل المطلوب في الشرع تكثيره، فمتى دعت الحاجة إليه، وجب أن يراعى فيه حسن الأدب بامتثال أمر الله، واجتناب نهيه، لقوله سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ[سورة الطلاق، الآية: 1]. فينبغي أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، فهذه العدة التي أمر الله أن تطلق فيها النساء. أما جمع الثلاث بلفظ واحد، فهو بدعة. فقد طلق رجل امرأته ثلاثًا جميعًا، فقام رسول الله ﷺ غضبان فقال: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟» [رواه النسائي (3401) من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه]. ومن وكل في طلاق امرأة، فإنه لا يملك - أي الوكيل - إلا واحدة، وكذلك الطلاق في طهر قد جامعها فيه، فإنه حرام أيضًا، فالطلاق الشرعي أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، أو وهي حامل، ثم هو مخير قبل طهرها من عدة الطلاق بين أن يراجعها بلا عقد ولا رضاها، وبين أن يمضي الطلاق. وما دامت في العدة؛ فإنها بمثابة الزوجة، يجب عليه نفقتها وسكناها. يقول الله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ[سورة الطلاق، الآية: 1] فلو مات الزوج قبل أن تخرج من العدة ورثته، لكون الرجعية زوجية، أو ماتت هي في أثناء عدتها ورثها زوجها.

والعدة ثلاث حيض ممن تحيض، أو وضع الحمل إذا كانت حاملاً، وإن كانت آيسة قد انقطع عنها الحيض لكبرها فعدتها ثلاثة أشهر.

ثم قال سبحانه: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وحدود الله محرماته، وسمي حدًّا لأنه فصل ما بين الحلال والحرام، كما في الحديث، أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوْهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوْهَا» [رواه الطبراني في الكبير (22/221/589)، والدارقطني (4396)، وأبو نعيم في الحلية (9/17)، والبيهقي (10/21/19726) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه].

إن المسلم متى عمل بأدب الشرع في الطلاق، فطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، فإنه لا يندم. ويؤجر في عمله بحكم الله، وقد يزول عنه الغضب وسكرته، وتعاوده حسن الفكرة والندم، فيكون زمام امرأته بيده، بحيث يراجعها. وهذا معنى قوله: ﴿لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا[سورة الطلاق، الآية: 1].

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

إن أكثر ما أوقع العوام في الطلاق بالثلاث جميعًا، حتى كأنهم لا يعرفون غيره، عدم تنبيه العلماء لهم على إساءة فعلهم، وكذا الذين يكتبون صكوك الطلاق، أكثرهم من العوام، لا يعرفون سنة الله في الطلاق والعامي مشتق من العمىٰ، والله يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون ٤٣ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون ٤٤[سورة النحل، الآيتان: 43 - 44].

لهذا ذهب بعض العلماء المحققين إلى جعل الثلاث الواقعة بلفظ واحد عن طلقة واحدة، فيجوز للزوج مراجعتها في عدتها، وتبقى معه كحالته السابقة بدون عقد على ما بقي له من سنة الطلاق. وإذا خرجت من العدة قد بانت منه، وحلت لزوج تريده، ويجوز للزوج أن يتزوجها بعقد جديد. اهـ.

***