فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

الدعاء يرد القدر

الدعاء يرد القدر

السؤال: هل يرد الدعاء ما قدره الله على الإنسان؟ [6/179]

الجواب [رقم: 11]:

الدعاء سلاح المؤمن يستدفع به البلاء حتى المنعقد بطريق القدر والقضاء، فإنه يدفع شره. كما ثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» [رواه الإمام أحمد في مسنده (22413)، وابن ماجه (4022)، والطبراني في الدعاء (31)، جميعًا من حديث ثوبان رضي الله عنه]. فأخبر الصادق المصدوق أن الدعاء يرد القدر والقضاء. مثال ذلك أنه يكتب على الإنسان أنه يعيش فقيرًا، أو أنه يصاب بقتل، أو بصدم سيارة أو غرق أو حرق أو غير ذلك مما يتحدث الناس أنه مكتوب عليه في الأزل، ثم لا يزال يدعو ويتضرع إلى الله سبحانه، فيستجيب الله دعوته، ويمحو ما كتب عليه بطريق القضاء والقدر، لأن الله سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت، فيعيش في الدنيا معافى، غنيًّا سعيدًا.

ولهذا كان من دعاء القنوت أنه يقول: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ مَا قَضَيْتَ» [رواه الإمام أحمد في مسنده (1718)، وأبو داود (1425)، والنسائي (1745)، والترمذي (464)، والدارمي (1632)، وابن حبان في صحيحه (722)، والطبراني في الدعاء (735 – 749)، جميعًا من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما].

ولولا أن الدعاء يدفع شر القدر والقضاء لما دعا به النبي ﷺ، ولما علمه أمته.

فصرْفُ القدر والقضاء بالدعاء هو أمر واقع من الله، وثابت في شرع الله. فحذار حذار أن يعجز أحدكم عن الدعاء ويقول: إن كان هذا الأمر مكتوبًا لي فإنه سيحصل لي، دعوت أو لم أدع. فإن هذه حجة الملاحدة الذين أبطلوا مشروعية الدعاء وتأثير ثوابه، اتكالاً منهم على القدر المكتوب. والله سبحانه ربط الأسباب بالمسببات، وجعل الدعاء سببًا للإجابة. وأنزل الله في كتابه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون ١٨٦[سورة البقرة، الآية: 186] وقد استعاذ النبي ﷺ من أربع فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلَبٍ لَا يَخْشَعُ، وَنَفَسٍ لَا تَشْبَعُ، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ» [رواه مسلم (2722)، وأبو داود (1548)، والترمذي (3482)، والنسائي (5442)، وابن ماجه (250)، من حديث عدة من الصحابة] أي: لا يستجاب له.

والمؤمن في الدنيا بمثابة الغريق في لُجَّة البحر، يقول: يا رب يا رب، حتى يصل إلى ساحل السلامة والنجاة، لأن البلايا والرزايا والأحداث والأخطار والأوجاع المزعجة تفاجئ الإنسان من حيث لا يحتسب، ولا ملجأ ولا منجى له من هذه البلايا والرزايا إلا بالالتجاء إلى الله بالدعاء والتضرع، لأنه نعم الملتجأ ونعم المولى ونعم النصير.

***