فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

الزهد في الدنيا وترك العمل

الزهد في الدنيا وترك العمل

السؤال: هل يعني التفرغ للعبادة الزهد في الدنيا وترك العمل لها؟ [6/196]

وما معنى اللفظة الواردة في الحديث الصحيح (تفرغ لعبادتي)؟ [6/196]

الجواب [رقم: 373]:

ليس معنى التفرغ للعبادة أنه التخلي عن الدنيا، بترك البيع والشراء والأخذ والعطاء، والحرث والبناء، فإن هذا مذموم شرعًا؛ لأن دين الإسلام دين سعي وكسب، وكد وكدح، يجمع بين مصالح الدنيا والآخرة، يحب المؤمن القوي، والغني التقي، ويحب المؤمن المحترف، ويبغض الفارغ البطال، «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» [رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه].

وقد استأذن أناس من الصحابة النبي ﷺ في أن يبيعوا عقارهم وأموالهم، ويشتروا بها خيلاً وسلاحًا يجاهدون عليها في سبيل الله، فنهاهم النبي ﷺ عن ذلك وقال: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا تُفْسِدُوهَا» [رواه مسلم (1625) من حديث جابر رضي الله عنه]، واستأذنه بعضهم في أن يتصدق بماله كله فنهاهم عن ذلك[هو سعد رضي الله عنه كما في الحديث السابق عند البخاري (1295)، ومسلم (1628)].

واستأذنه عثمان بن مظعون في التبتل في العبادة، واعتزال الدنيا والنساء فنهاه عن ذلك[رواه أحمد (26308) من حديث عائشة رضي الله عنها].

وقال لعبدالله بن عمرو بن العاص: «ألم أُخْبَرْ بأنك تقوم الليل، وتصوم النهار؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» [رواه البخاري (6134)، ومسلم (1159)، وآخره عند البخاري (1968) من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه].

إذا ثبت هذا فإن معنى «تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي» أي: أَدِّ العبادة التي أوجب الله عليك، فلا ينبغي أن تشتغل عنها بأهل ولا مال، فمتى دخل وقت فريضة الصلاة وجب عليك أن تبادر بأدائها في وقتها في الجماعة، وأن تترك لأجلها البيع والشراء والأخذ والعطاء.

وإذا حضرت فريضة الزكاة، وجب عليك أن تبادر بأدائها إلى مستحقها تقول: اللَّهم اجعلها مغنمًا، ولا تجعلها مغرمًا.

فينبغي أن تكون الدنيا رخيصة في نفسك، عند حضور واجب حق الله عليك.

وما استجلبت نعم الله واستدفعت بمثل المحافظة على طاعته.

***