فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

حقيقة التقوى

السؤال: ما معنى وحقيقة تقوى الله؟ [7/339]

الجواب [رقم: 371]:

التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين، ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ[سورة النساء، الآية: 131]. وحقيقتها تنحصر في فعل المأمورات، واجتناب المحرمات، خوفًا من عقاب الله، ورجاء ثوابه. ولهذا قال عمر بن عبدالعزيز: «ليس التقوى بقيام الليل، وصيام النهار، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى هي أداء ما افترض الله، وترك ما حرم الله، وإن زدت على ذلك فهو خير إلى خير».

فالمتقون يجعلون أعمالهم الصالحة بمثابة الوقاية دون عقاب الله، كما في الحديث أن النبي ﷺ قال: «اتَّقُوا النَّارَ». ثم أعرض وأشاح، ثم قال: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» [رواه البخاري (6023)، ومسلم (1016) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه].

وكان النبي ﷺ يخطب، فسأله رجل. فقال: يا رسول الله، من أكرم الناس؟ فقال: «أَكْرَمُ النَّاسِ أَتْقَاهُمْ لِلرَّبِّ، وَأَوْصَلِهِمْ لِلرَّحِمِ، وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ» [رواه ابن أبي شيبة في المصنف (25397)، وأحمد (27434)، والطبراني في الكبير (24/257/ 657)، والبيهقي في شعب الإيمان (7578)، وفي الزهد الكبير (877) من حديث درة بنت أبي لهب رضي الله عنها].

وقد قيل:

ألا إنما التقوى هي العز والكرم
وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقي نقيصة
إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ٢ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ٣[سورة الطلاق، الآيتان: 2 – 3]. ﴿وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ٤[سورة الطلاق، الآية: 4].

ثم شرع سبحانه في أوصاف المتقين ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء أي: ينفقون، ويتصدقون في حالة اليسر والعسر، لرغبتهم في الثواب، وخوفهم من العقاب ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا ٩ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ١٠[سورة الإنسان، الآيات: 8 – 10].

إنهم لم يقولوا هذا الكلام حين أطعموا الطعام، ولكن الله علمه من قلوبهم، فنطق به على ألسنتهم، وأفضل الصدقة جهد المُقِلّ، وابدأ بمن تعول.

وروى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري قال: حث النبي ﷺ على الصدقة، ولم يكن عندنا مال. قال: فكنا نحامل على ظهورنا ونتصدق[رواه البخاري (1415)، ومسلم (1018)]. وقد سبق درهم من فقير مئة ألف درهم من غني[الحديث أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (سبق درهم مائة ألف درهم) سنن النسائي (2527)].

وفي البخاري: قال رجل للنبي ﷺ: أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: «أَنْ تَتَصَدَّقَ، وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى، وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ» [رواه البخاري (1419)، ومسلم (1032) عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «لَأَنْ يَتَصَدَّقَ المَرْءُ في حَيَاتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمائَةٍ عِنْدَ مَوْتِهِ» [رواه أبو داود (2866)، وابن حبان (3334)].

***