الاحتجاج والاعتذار بالقدر
السؤال: يعتذر بعض الناس عن تقصيرهم في العبادة أو ارتكابهم المنكرات بأنه أمر مكتوب عليهم. فكيف نرد عليهم؟ [6/148]
الجواب [رقم: 9]:
إن أضر ما ابتلي به الشخص هو العجز والكسل، وأكثر الناس يجعلون عجزهم توكلاً، وفجورهم قضاءً وقدرًا.
فمتى صارحت الشخص ونصحته عن ترك الصلاة مثلاً، أو نهيته عن شيء من المنكرات، كشرب المسكرات، اعتذر إليك قائلاً: إنه أمر مكتوب علي! فهو كما قيل: عند ترك الطاعات قدري، وعند ارتكاب المنكرات جبري. نظير ما حكى الله عن المشركين حيث قالوا: ﴿لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِين﴾[سورة النحل، الآية: 35]. فالمحتج بالقدر حجته داحضة عند ربه؛ لأنه باحتجاجه بالقدر يريد أن يبطل الأمر والنهي اللذين عليهما مدار العبادات والأحكام، وأمور الحلال والحرام.
والله سبحانه خلق الإنسان، وركَّب فيه السمع والبصر والعقل؛ ليتم بذلك استعداده لتناول منافعه، واستعمالها في سبيل قوته، ووقاية صحته، وحفظ بنيته. وكان من هدي النبي ﷺ فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه. وكل ما شرعه رسول الله لأمته، وأمر به، فإنه من الدين الذي يجب اتباعه واستعماله، ويدخل في عموم قوله: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ» [رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. فالأنبياء والعلماء دينهم الأمر، وعليه مدار العمل مع إيمانهم بالقضاء والقدر. فهم يقدمون الأمر على القدر، ويدفعون القدر بالقدر، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما بلغه أنه قد وقع الطاعون بالشام، فامتنع عن دخول البلد من أجله، وعزم على الرجوع بأصحابه. ولما قال له أبو عبيدة: أفرارًا من قدر الله يا عمر؟ قال: نعم. وقال: نفر من قدر الله إلى قدر الله[أخرجه البخاري (5729) ومسلم (2219) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما].
ويقولون: القدر لا يمنع العمل، ولا يجب الاتكال عليه، ولا الاحتجاج به، إلا في حالة بذله للأسباب التي تقيه وترقيه وتحفظه. فمتى غلبه الأمر بعد ذلك، فإنه لا يلوم نفسه على تقصيره أو تفريطه ولن يلومه الناس؛ إذ قد ينزل بالشخص من البلايا والمحن ما لا طاقة له به. ولهذا قال: «وَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَذَا، كَانَ كَذَا وَكَذَا» [جزء من الحديث السابق قبلُ الذي رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه] لأن هذا من اللوم المذموم.
***