السلام تحية أهل الإسلام
السؤال: ما أهمية تحية السلام بين المسلمين، وما قولكم لمن يدخل على الناس ولا يسلم؟ [7/319]
الجواب [رقم: 291]:
ثبت في صحيح مسلم، أن النبي ﷺ قال: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وَإِذَا عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ» [صحيح مسلم (2162) عن أبي هريرة رضي الله عنه].
فهذه من حقوق المسلم على المسلم، وكلها تستدعي المودة والانسجام بين الإخوان.
يقول عبدالله بن سلام: لما قدم النبي ﷺ المدينة انجفل الناس عنه، فلما رأيت وجهه، علمت أنه ليس بوجه كذاب، فسمعته يقول: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ» [رواه الترمذي (2485) وقال: حديث صحيح، وابن ماجه (1331)، وأحمد (23784)].
وقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذْا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» [رواه مسلم (54)، وأبو داود (5193)، والترمذي (2688)، وابن ماجه (68) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
وسأل رجل النبي ﷺ فقال: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» [رواه البخاري (12)، ومسلم (39) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما].
وفي البخاري عن عمار بن ياسر قال: ثلاث من جمعهن فقد استكمل الإيمان، الإنصاف من النفس، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار[صحيح البخاري (كتاب الإيمان/ باب إفشاء السلام من الإسلام) معلقًا، وأسنده الخلال في السنة (1615) من طريق الإمام أحمد].
وفي الأثر: «السَّلَامُ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، فَأَفْشُوهُ فيما بَيْنَكُمْ» [رواه الطبراني في الأوسط (3008)، وضعفه البيهقي في الشعب (11/200-8405)].
وفي معناه الدعاء بالسلامة على كل من سلمت عليه، كما يدعو لك بمثل ذلك.
وهو تحية أهل الإسلام من لدن خلق الله آدم إلى يوم القيامة، لما في البخاري ومسلم: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفْرِ - وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ - وَانْظُرْ مَا يُحَيُّونَكَ بِهِ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ. فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ» [صحيح البخاري (3326)، وصحيح مسلم (2841) عن أبي هريرة رضي الله عنه].
كما أن السلام تحية أهل الجنة، ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين ١٠﴾[سورة يونس، الآية: 10] وأخبر النبي ﷺ قال: «إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، مِنْ ذَلِكَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ» [رواه أبو عبيد في الإيمان (3)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (405)، والطبراني في مسند الشاميين (429)، وأبو نعيم في الحلية (5/217) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، فأخبر أن من خصال الإسلام؛ هو أن تسلم على من لقيت من المسلمين. فإذا أتيت أهل مجلس فسلم عليهم، وإذا أردت أن تقوم فسلم عليهم، فليست الأولى بأحق من الثانية.
ثم قال: «وَأَنْ تُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ»؛ لأنه إذا بدأ أهل بيته بالسلام، دخلت في البيت البركة والرحمة وحفت أهله الملائكة، وقد قال النبي ﷺ لأنس: «يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ» [رواه الترمذي (2698) وقال: حديث حسن غريب]؛ لأن الله وصف السلام بأنه تحية مباركة طيبة، فقال تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾[سورة النور، الآية: 61]، لأن من سلم على أهله فقد سلم على نفسه، وقال: «ثلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، مَنْ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيْلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ» [رواه أبو داود (2494)، والبخاري في الأدب المفرد (1094) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه].
وقد أهمل الناس العمل بهذه السنة، وحرموا أنفسهم دخول البركة في بيوتهم، وأكثرهم إذا دخل بيته بدأ بالسب واللعن لكل من يلقاه من أهله وأولاده، ومن لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه، ولعن المؤمن كقتله.
وكان السلام في عهد الإسلام بمعنى الأمان والاطمئنان، بمعنى أنك إذا سلمت على إنسان فرد عليك السلام، فقد دخل في عهد وأمان من أن تناله بسوء، وفي بعض الغزوات قصد بعض الصحابة صاحب غُنيمة ظنوه من المشركين، فلما أقبلوا عليه بدأهم بالسلام وقال: السلام عليكم، فلم يردوا عليه السلام، وقالوا: إنه لم يسلم علينا إلا ليحرز عنا غنمه، فأخذوا الغنم، واستاقوه معهم، وسبقهم القرآن بنزوله على رسول الله، وسبحان من وسع سمعه الأصوات، وسبحان المطلع على الأسرار والخفيات، علم الله ما وقع لصاحب هذه الغنيمة، فأنزل الله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ ﴾ - أي: تثبتوا - ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ - كما قلتم لصاحب هذه الغنيمة - ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ - أي: لأجل طمعكم في أخذ الغنم - ﴿فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ﴾ - أي: كنتم كفارًا من قبل فمنّ الله عليكم بالإسلام وببعثة محمد عليه الصلاة والسلام - ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾[سورة النساء، الآية: 94] أي: تثبتوا، وهذه الآية بمثابة التهذيب والتأديب للعباد في الأمر بالتثبت في جميع أمورهم، لئلا يغلطوا مع أحد، فيأخذوه بغير حق، نظيره قوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ٦﴾[سورة الحجرات، الآية: 6].
فالقرآن قد نظم حياة الناس أحسن نظام، وهذبهم في حسن التعامل مع الناس في الأفراد والجماعات، وأخبر أن لكل داء دواء، وأن السلام هو الذي يثبت دعائم الإخاء، ويزيل الإحن والبغضاء، فقال الرسول ﷺ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ: الْحَالِقَةُ». قالوا: وما الحالقة؟ قال: «حالِقَةُ الدِّينِ لَا حالِقَةُ الشَّعَرِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحابُّوا، أَوَلَا أنبئكم بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» [رواه أحمد (1412)، والترمذي (2510)، والطيالسي (190)، وأبو يعلى (669)، والبيهقي في الكبرى (21065) عن الزبير رضي الله عنه].
***