فهرست کتاب

مشكلة مغالاة الناس في المهور وتكاليف العرس

مشكلة مغالاة الناس في المهور وتكاليف العرس

السؤال: ما رأيكم في مغالاة الناس في المهور وتكاليف العرس؟ [7/278]

الجواب [رقم: 138]:

متى كان النكاح الشرعي من سنن المرسلين، ومن ضرورات بقاء نوع الآدميين فإن من الواجب على العقلاء فتح أبوابه، وتسهيل طرقه وأسبابه، وذلك بالقضاء على المتطلبات المرهقة، والتكاليف الشاقة التي هي بمثابة العقبة الكؤود في طريق المعوزين والمتوسطين من أبناء المسلمين، بحيث تحول بينهم وبين الاتصال بمن يرغبون نكاحه من بنات عمّهم، وأهل بلدهم، فيجب أن يعقدوا الاجتماعات على أثر الاجتماعات، في تبادل الآراء النافعة في سبيل ما يختصر لهم الطريق، ويزيل عن شبابهم الحرج والضيق، وذلك بتخفيض مؤن تكاليف النكاح، الذي يذهب أكثرها في سبيل الإسراف والتبذير، والتوسع في العطايا والهدايا وسوء التدبير، فيكون خسارة على الزوج، وعلى أهل الزوجة، والمرأة حرة ليست بسلعة توضع للمزايدة، وإنما تقاطع الناس بالتكلّف.

والنبي ﷺ قال: «خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ» [رواه أبو داود (2117)، وابن حبان (4072) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه بإسناد صحيح]. وقال: «خير النكاح أقله كلفة» [لم نجده بهذا اللفظ]. ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: «لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها رسول الله ﷺ فإنه ما أصدق أحدًا من نسائه، ولا أصدقت أحد من بناته أكثر من خمسمائة درهم» [رواه أبو داود (2106)، والترمذي (1114)، وابن ماجه (1887)]. وهو قدر يقل عن مائة ريال؛ لأن الفضلاء من الكرماء، لا يرون كثرة الصداق في نفوسهم شيئًا، وإنما جل قصدهم اتصال حبل الخاطب الكفء بالمخطوبة في حالة راحة ورفاهية، فهم يحاربون الإسراف الضار بالزوج وأهل الزوجة.

ولا يستنكفون عن خطبة الرجل الكفء لبنت أحدهم وموليته، كما عرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على عثمان بن عفان فاعتذر، لعدم رغبته في النكاح، ثم عرضها على أبي بكر الصديق، فسكت، ولم يجب بنفي ولا إثبات، ثم خطبها رسول الله ﷺ فتزوجها.

إن المتطلبات المرهقة، والتكاليف الشاقة، قد تركت البنات الأبكار العذارى عوانس وأيامى في بيوت آبائهن، يأكلن شبابهن، وتنطوي أعمارهن سنة بعد سنة، والجريمة هي جريمة التكاليف الشاقة. يخطب الخاطب، فيقولون: هذا ليس بتاجر، ويخطب الآخر، ويقولون: هذا مرتبه ليس بكثير، ويخطب الآخر، ويقولون: هذا لا يدفع لنا إلا القليل. فتذهب نضارة البنت في سبيل هذا الترديد، كأنه يضع ابنته للمزايدة، ولو ترك لها الخيار لقبلت الخاطب الكفء على ما تيسر، وقالت: رزقي ورزقه على الله.

والله يقول: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ[سورة النور، الآية: 32].

والأيامى هم كل من لا زوج له؛ من رجل وامرأة، يأمر الله عباده بأن يسهلوا ويساعدوا على تزويج الأيامى. ومعنى الآية: إنه لا ينبغي لكم أن تمتنعوا عن إجابة الخاطب الكفء بما تحسونه من قلة ماله، وضعف حاله، فإن الزواج من أسباب الغنى، ولأن الفقر وصف عارض يقع فيزول، وكم من فقير عاد بعد الزواج غنيًّا.

والنبي ﷺ قال: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِنْ لَا تَفْعَلُوْا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» [رواه الترمذي (1084)، وابن ماجه (1967) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. إن بعض الناس يعدون بناتهم بمثابة المتاجر، فمتى خطب أحد منهم ابنته، أو أخته، وأجاب خطبته، أخذ يسن له السكين، ليفصل ما بين لحمه وعظمه، بحيث يفضي إلى زوجته وهو عظم بلا لحم، وجسم بلا روح، كله من أجل التكاليف الشاقة التي تلجئه إلى تحمل الديون التي من لوازمها الهموم والغموم، ولم يشعروا أن راحة الزوج ورحمته، هو من راحة ابنتهم ورحمتها.

فمن رأي الحزم، وفعل أولي العزم، تكاتف العقلاء على مراعاة التسهيل والتيسير وعدم التعسير، فإن التيسير يمن وبركة، فيسِّروا ولا تعسِّروا، والله إنه ليبلغني عن الرجل الكريم، وصاحب الخلق القويم، معاملة صهره بالتسامح والتسهيل، حيث يأخذه باليد التي لا توجعه، ثم يسلم إليه زوجته في حالة راحة، وعدم كلفة، فيرتفع في نفوسنا قدره، وينتشر بين الناس شرفه وفخره؛ لأن هذا هو النكاح الجدير باليمن والبركة.

ومن نصيحتي للمرأة ذات الخلق والدين بأن تكون عونًا لزوجها على نوائب الدهر بما يستطيعه، فقد قيل: امرأة الصعلوك إحدى يديه، ولا ينبغي أن تطالبه بما يعجزه ويشق عليه؛ من نفقة زائدة على الحاجة، كساعة ثمينة، أو صيغة ذهب، أو غير ذلك من الكماليات التي قد يعجز عنها الموظف الصعلوك.

وحرام عليها أن تهجر فراش زوجها، أو تخرج من بيته في سبيل مطالبته بما يعجزه ويشق عليه، والنبي ﷺ قال: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُم، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُم، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم» [رواه مسلم (2963) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

فزوجة الموظف الصعلوك، لا ينبغي لها أن تنظر إلى زوجة التاجر، فإن جود الرجل من موجوده، وكل إناء ينضح بما فيه، وعادم المال لا يعطيه، بل ينبغي أن تصبر، فإن الصبر مفتاح الفرج، وعسى الله أن يجعل له بعد عسر يسرًا.

ومما ينبغي أن ننصح به مراعاة الاقتصاد والاقتصار في وليمة العرس، التي وصفها رسول الله ﷺ: بأنها شر الطعام يدعى إليها من يأباها، ويمنعها من يأتيها[رواه البخاري (5177)، ومسلم (1432) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، فيتجنبوا التوسع فيها، ويقتصروا على قدر الكفاية، عملاً بالسنة. حيث قال النبي ﷺ: «أَوْلِمْ، وَلَوْ بِشَاةٍ» [رواه البخاري (2049)، ومسلم (1427) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه]. و(لو) قيل: للتكثير، وقيل: للتقليل.

وقد أولم النبي ﷺ على بعض نسائه بمدّين من شعير[رواه البخاري (5172) من حديث صفية بنت شيبة رضي الله عنها]، وهو سيد الخلق أجمعين. فما يفعله بعض الناس، من كون أحدهم يذبح في وليمة العرس خمسين ذبيحة، أو أربعين ذبيحة، أو أقل أو أكثر، وربما ذبح معها بكرًا من الإبل، ويتبعها الأرز والفواكه، وغالب الناس يتعذرون من الحضور إليها، خصوصًا الفضلاء، فتبقى اللحوم والطعام بحالها، بحيث تحمل ويقذف بها في مواضع القمام، وبطون الأنعام، ونفوس الكثير من الفقراء تحن إلى القدر، ولا شك أن هذا مال ضائع على الزوج، وعلى أهل الزوجة، كما قيل:

ولم يحفظ مضاع المجد شيء
من الأشياء كالمال المضاع

إن هذه التكاليف قد أفضت بالكثير من شباب المسلمين إلى التزوج بالوثنيات من الهنديات، أو بالنساء الملحدات اللاتي لا دين لهن ولا خلق، واللاتي يتظاهرن بترك الصلاة والصيام، وسائر شرائع الإسلام، ويجهرن بعدم وجوب ذلك عليهن.

ومن المعلوم أن نكاح مثلهن حرام على المسلم ﴿لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ[سورة الممتحنة، الآية: 10].

***