صفة الطلاق الشرعي، وطلاق اللغو
السؤال:
التاريخ: 22/10/1406هـ، الموافق: 29/6/1986م.
الحمد لله: حضر لديّ أنا رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية الرجل-باسم عادل - فلسطيني الجنسية - وحضرت لحضوره زوجته/ هناء بنت محمد واعترف أمامي على زوجته المذكورة قائلاً: إنه منذ ثلاث سنين قال لزوجته: يمين الله أنت طالقة بالثلاث، فأفتاه أحد المشايخ بأن هذه عن طلقة واحدة وأرجعها إليه. والمرة الثانية من حوالي سنة ونصف قال لأخيها: أختك طالق ثم راجعها. وآخر مرة في آخر رمضان قال لزوجته بعد خلاف وشجار بينهما: أنت طالق.. طالق.. طالق.
الجواب [رقم: 185]:
والجواب: أننا متى طبقنا هذا الطلاق الواقع منه على الطلاق الشرعي لم نجد له موافقة من الطلاق الشرعي المقتضي للفراق وعدم الوفاق لأمور؛ منها: أن الطلاق الأول القائل فيه: يمين الله أنت طالق بالثلاث، وقد أفتاه من أفتاه بوقوعه عن طلقة واحدة وكونه يجوز له رجعتها، وفعلاً راجعها واستدامت معه سنين. والطلاق الثاني في قوله لأخيها: أختك طالق، ثم راجعها بدون سؤال شيخ والرجعة صحيحة، وكونها تبقى على إباحتها لزوجها كحالتها السابقة لأن الرجعية زوجية.
أما الطلاق الثالث قوله لزوجته: أنت طالق.. طالق.. طالق. وقد وقع هذا الطلاق في طهر جامعها فيه. وعندما نطبق هذا الطلاق المتعدد الواقع منه نجده واقعًا في لغو الطلاق غير واقع موقع الصحة والإباحة. لكون الطلاق الشرعي الذي يترتب عليه صحة موقعه يكون في طهر لم يجامعها فيه. وحقيقة ما ثبت عند الله ورسوله من ذلك ما في الصحيحين من حديث ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي ﷺ عن هذا الطلاق. فقال له: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَتَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا». متفق عليه[صحيح البخاري (5251)، وصحيح مسلم (1471)].
يشير في هذه السنّة إلى قوله سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾[سورة الطلاق، الآية: 1] أي: في قُبل عدتهن، وذلك بأن يوقع الطلاق عليها في طهر لم يجامعها فيه. وقد ضاق صدر بعض المقلدين للفقهاء المتأخرين بهذا الطلاق على صفته، فمنهم من تورع عن الإفتاء بالإلزام به، ومنهم من تورط في الحكم بصحته غير مبال بحكم الله ورسوله، لأن أكثر الناس في هذا العصر مقلدة لمذهبهم ويسمّون سجناء الألفاظ، وقد عناهم العلامة ابن القيّم في قوله:
وأكثرهم بسجن اللفظ محبـو
سون خوف معرّة السّجانِ
والكل إلا الفرد يقبل مذهـبًا
في قالـب ويرده في ثانِ
وهم الذين عناهم الرصافي في شعره حيث قال:
ألا قل في الطلاق لموقعيـه
بما في الشرع ليس له وجوب
غلوتم في ديانتكم غلـوًّا
يضيق ببعضه الشرع الرحيب
أراد الله تيسيرًا وأنتـم
من التعسير عندكم ضروب
فذا ابن القيم الفقهاء كـم قد
دعاهم للصـواب فلم يجيبوا
ومثله العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية فقد صرّح تصريحًا ليس بالتلويح على أن كل طلاق يخالف سنة ما شرعه الله في الطلاق من كونه طلق زوجته وهي حائض أو طلقها في طهر جامعها فيه فإنه غير واقع شرعًا، لقول النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ» [رواه مسلم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها].
أما رأيت في حديث ابن عمر الذي في الصحيحين، وكون النبي ﷺ لم يعتبر طلاق ابن عمر في هذه الحالة ولم يدخله في عدد الطلاق المشروع فصار لغوًا لا يعتبر به، ولا تحرم الزوجة على الزوج من أجله؟!
فهذا الطلاق المتعدد من هذا الشخص نظير الطلاق الواقع من ابن عمر حيث لم يعدّه النبي ﷺ شيئًا وأمره بأن يراجع زوجته.
لهذا فإننا نأمر هذا المطلق بأن يراجع زوجته على كتاب الله وسنة رسوله لكونها لا تحرم عليه، فهذا حاصل ما نفتي به للعلم به، إذ الحق أحق أن يتبع، والقرآن جدير بأن يستمع.
والله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية
***