لا تصح الدعوى إلا محررة معلومة للمدعى به
السؤال:
التاريخ: 19/11/1384هـ.
الحمد لله، ما قول العلماء الأعلام في رجل يدعى محمد بن حمد بن مقيم من سكنة حوطة بني تميم، وقد توفي في مقاطعة الظهران عن غير وارث بفرض أو تعصيب ما عدا ورثة من ذوي الأرحام، وهم ابنة أخ لأب وأبناء ابنة أخت لأم، وشهد أناس بأن هذا المتوفى هو من قبيلة بني لحيان، وقد أقامت هذه القبيلة الدعوى يطالبون بإرث هذا المتوفى اعتمادًا على هذه الشهادة بدون أن يعرف أحد منهم اتصاله بنسبه واجتماعه به في درجته، فهل يكون إرثه لذوي رحمه أو لهذه القبيلة التي تدعي نسبه؟ أفتونا مأجورين.
الجواب [رقم: 289]:
الحمد لله، لقد نص الفقهاء على أنها لا تصح الدعوى إلا محررة معلومة للمدعى به، فمن ادعى إرث شخص فلا بد أن يذكر سببه واتصاله بنسبه واجتماعه به في درجته؛ لأن هذا هو السبب الذي يصح أن يتوصل به إلى حصول مقصده من حيازة إرثه أو مستحقه من تركته، فلا يقبل من المدعي قوله: مات فلان ونحن ورثته، أو ونحن قبيلته، لأن هذه الدعوى تعتبر غير محررة فلا تستحق أن تسمع، وقد نص الفقهاء على أنه متى عرف نسب إنسان من قبيلة ولم يعرف من أي بطونها لم يرثوا ولم يعقلوا عنه.
قال في الإقناع وشرحه: وإن عرف نسب قاتل من قبيلة ولم يعرف من أي بطونها لم يعقلوا عنه؛ لأنهم لا يرثونه، انتهى.
ويدل لذلك حديث ابن عباس أن النبي ﷺ قال: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» متفق عليه[صحيح البخاري (6732)، وصحيح مسلم (1615)]، ومعنى أولى يعني أقرب، كما يقال: فلان أولى للميت من فلان، فالعلم بالقرب يعد من شروط الإرث، قال في ألفية الفرائض:
وعلم قاض جهة التوارث
والقرب بين ميت ووارث
أي: أن من شروط الإرث العلم بالدرجة التي يجتمع مع الوارث فيها، كما يسمونه بالسبب، فلا يقبل القاضي الشهادة المطلقة بأن فلانًا هو الوارث لفلان بدون تفصيل وبدون علم منه بالتأصيل، كما لا تسمع الدعوى العارية عن التسلسل إلى درجة من يدعي بإرثه، ومن لم يتفقه في هذا أضاع على الناس حقوقهم وحكم لأناس بما يستحقه الآخرون، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين.
ثم إن بني لحيان قبيلة قديمة من قبائل هذيل لا تزال تسمى بهذا الاسم زمن النبي ﷺ، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن رسول الله قضى في جنين امرأة من بني لحيان، وهم الذين أرسل إليهم النبي ﷺ القراء من الصحابة ليعلموهم فقتلوهم، فقنت عليهم النبي شهرًا يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية عصت الله ورسوله[قضية الجنين في صحيح البخاري (6740)، وصحيح مسلم (1681)، والقنوت على الذين قتلوا القراء في صحيح البخاري (4090)، وصحيح مسلم (677) من حديث أنس رضي الله عنه].
ولعل الموجودين في بعض قرى الأفلاج من بقاياهم، ومعلوم أن القبيلة إذا تقادم عهدها تشعبت عن أفخاذ عديدة، وقد يدخل فيها من ليس من أصلها، إما بطريق التحالف أو التناصر أو بالمصاهرة أو المجاورة، كما يوجد في كثير من قبائل العرب من ينتسب إلى قبيلة وينسبه الناس إلى غيرها، كما زعموا بأن المتوفى المذكور أوصى بأن أقرب الناس إليه هم قبيلة الشثور من أجل أنه تربى وسط بيوتهم فانتسب إليهم، وقد تبرأ الشثور منه ومن تركته من أجل أنهم قحطانيون وهو من بني لحيان هذيل حسبما زعموا.
والحاصل أن كل من ادعى إرث شخص كهذا أو غيره بدون أن يعرف قربه منه واجتماعه به في درجته فإنه لا حقيقة لحجته؛ لأن من شرط صحة سماع الدعوى كونها تنفك عما يكذبها، وقد قدمنا أقوال الفقهاء في أن من ادعى إرث شخص فلا بد أن يذكر سببه واتصاله بنسبه واجتماعه به في درجته، كما ذكرنا عبارة الإقناع وشرحه في أن من عرف نسبه من قبيلة ولم يعلم من أي بطونها فإنهم لا يعقلون عنه لأنهم لا يرثونه، ذكر ذلك في باب العاقلة وما تحمله، وهذا واضح جلي لا مجال للشك فيه، «وَلَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» [أوله عند البخاري (4552)، ومسلم (1711)، وآخره عند البيهقي في الصغرى (3386) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما]، والبينة اسم لما يبين الحق ويوضحه ويجعله في حيز التجلي.
إذا ثبت هذا؛ فإن المسؤول عنه متى لم يثبت اتصال أحد من المدعين بنسبه واجتماعه به في درجته فإن إرثه ينتقل إلى ذوي رحمه الذين يدلون إليه بقرابة قريبة معقولة، حيث لم يوجد من يحجبهم، لأن توريث ذوي الأرحام ثابت بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله: ﴿وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾[سورة الأنفال، الآية: 75]، وهو شامل لسائر القرابات ممن يرث بفرض أو تعصيب أو ذي رحم، وأما السنة ففي حديث المقدام بن معديكرب أن النبي ﷺ قال: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم وابن حبان[مسند أحمد (17175)، وسنن أبي داود (2899)، وسنن ابن ماجه (2634)، وصحيح ابن حبان (6035)، ومستدرك الحاكم (8002)]، وكتب بذلك عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح للعمل بموجبه[مسند أحمد (189)، وسنن الترمذي (2103)].
فينزل كل واحد منهم منزلة من أدلى به، فتنزل بنت الأخ للأب منزلة الأخ للأب، وينزل أولاد بنت الأخت للأم منزلة الأخت للأم، حتى كأنه توفي عن أخ لأب وأخت لأم، فيكونون والحالة هذه أحق بإرثه من تلك القبيلة التي تدعي فيه، وهي لا تعرف قربها منه ولا اتصالها بنسبه، فيكون وجودهم كعدمه.
وأما قصة الخزاعي؛ وهو أن رجلاً توفي من خزاعة فأعطى النبي ﷺ إرثه الكبر من خزاعة[رواه أبو داود (2904)، والنسائي في الكبرى (6361) من حديث بريدة رضي الله عنه] فمحمول على عدم من يدعي إرثه بنسب أو ذي رحم، لعدم ذكرهما في الحديث، فيكون إرثه لبيت المال، وقد أعطاه النبي ﷺ الكبر من خزاعة فلا يقاس عليه.
هذا حاصل جواب ما وقع السؤال عنه، حررته للعلم به، وللغائب حجته، وبه جرى التسجيل بموجبه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قاله رئيس المحاكم الشرعية بقطر
***