فهرست کتاب

حكم الإعراض عن الدواء بدعوى التوكل

حكم الإعراض عن الدواء بدعوى التوكل

السؤال: ما حكم من يعرض عن استعمال الأدوية المجربة اتكالاً على قدر الله عز وجل؟ [6/276]

الجواب [رقم: 270]:

الإعراض عن استعمال الأدوية المجربة؛ لرفع البلاء، ودفع الوباء من أنواع العجز. وإن الله سبحانه خلق الناس، وخلق لهم جميع ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب واللباس والأدوية، وغير ذلك. فكل الأدوية والعقاقير التي يستعملها الأطباء للوقاية أو لرفع البلاء أو دفعه؛ هي في الحقيقة من مخلوقات الله التي أنبتها في أرضه؛ رحمة منه بعباده، وإحسانًا منه لهم، بإيصال نفعها. وخص كل نوع منها بنوع من المرض يزاوله ويشفيه. وركب في الإنسان العقل والسمع والبصر ليتم بذلك استعداده لتناول منافعه ومصالحه، واستعمالها في وقاية صحته، وحفظ بنيته.

وكان من هدي النبي ﷺ فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه؛ لأنه من دينه وشرعه. ويقول: «تَدَاوَوْا يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ؛ وَهُوَ الْهَرَمُ» [رواه أبو داود (3855)، والترمذي (2038)، وابن ماجه (3436)، وأحمد (18456) من حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه].

وفي رواية أخرى: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً - أي: ما أصاب أحدًا بداء إلا قدر له دواء - عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ».

وقيل للنبي ﷺ: يا رسول الله، أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقيها، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: «لَا، بَلْ هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ» [رواه ابن حبان (6100) من حديث كعب بن مالك، والطبراني في الكبير (3090)، والحاكم في المستدرك (87) من حديث حكيم بن حزام، ورواه الترمذي (2065)، وابن ماجه (3437) من حديث أبي خزامة]«إِنِ اسْتَطَاعَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» [رواه مسلم (2199) من حديث جابر رضي الله عنه].

فتضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وأن الله بحكمته ورحمته جعل لكل داء يحل بالناس دواء يبرئه، بحيث يرفعه ويدفعه. وأن هذا لا ينافي التوكل على الله.

كما أن الإنسان إذا اشتد عطشه دفع داء العطش بالماء، ودفع داء الجوع بالأكل، ودفع داء البرد بالثياب والملاحف والخفاف، فهذا مثله. والوقاية خير من العلاج. والدفع أيسر من الرفع. والشفاء قبل الإشفاء.

فاستعمال الأدوية المباحة والوقاية النافعة هي من تمام تحقيق التوحيد؛ لأن كل ما شرعه رسول الله ﷺ وأمر به فإنه من الدين الذي يجب اتباعه، والعمل به، كيف والرسول يقول: «يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللهَ مَا أَنْزَلَ دَاءً إِلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» [سنن أبي داود (3857) وفي الترمذي (2038)، وابن ماجه (3436)، رواه الحميدي (845)، وأحمد (18455) من حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه].

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الطعن في الدواء قدح في الشرع، والإعراض عن الأسباب نقص في العقل.

وعاجز الرأي مضياع لفرصته
حتى إذا فات أمر عاتب القدرا

مثال ذلك كون الإنسان يصاب بالتخمة، فمن الحزم إزالتها بالأدوية المسهلة لإخراج الفضلات؛ لأن الإنسان في الدنيا كما قيل:

نحن في دار بليات
ندافع آفات بآفات

ولأن الدواء الكريه المر في حالة نفعه وحسن عاقبته يعتبر حلوًا، كما أن الأكل الحلو الضار، يعتبر مرًّا في مضرته وسوء عاقبته.

***