فهرست کتاب

القضاة الذين يماطلون في القضايا

القضاة الذين يماطلون في القضايا

السؤال: ما رأيكم في بعض القضاة الذين يؤجلون القضايا كثيرًا ويرهقون الخصوم والشهود بالانتظار الطويل؟

الجواب [رقم: 368]:

القضاء أمانة، وهو منصب شريف؛ منصب الأنبياء والخلفاء الراشدين. والأصل فيه قوله تعالى: ﴿يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب ٢٦[سورة ص، الآية: 26].

وكان النبي ﷺ قاضيًا، وأبو بكر قاضيًا، وعمر قاضيًا، وعلي كذلك. والقضاء في مواطن الحق، هو مما يوجب الله به الأجر، ويحسن به الذخر.

شُرع القضاء رحمة للناس وراحة لهم، لإزالة الشقاق بينهم، وقطع النزاع عنهم، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وردع الظالم، ونصر المظلوم.

لو أنصف الناس استراح القاضي
وبات كل عن أخيه راضي

فمن واجب القاضي أن يحتسب راحة الناس ورحمتهم في قطع النزاع عنهم، وأن يحتسب التبكير في الجلوس للناس، ويفتح باب المحكمة على مصراعيه، ثم يبدأ بالأول، فالأول، كما نص على ذلك فقهاء الإسلام في كتبهم. ففي الحديث: «مَنْ تَوَلَّى شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُوْنَ حَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ» [رواه أبو داود (2948)، والحاكم (7027) وصححه ووافقه الذهبي، كلاهما من حديث أبي مريم الأزدي رضي الله عنه].

ولما بلغ عمر أن سعد بن أبي وقاص قد اتخذ له بابًا وحجابًا يمنعون دخول الناس عليه، أرسل محمد بن مسلمة، وأمره أن يحرق باب سعد قبل أن يكلم أحدًا من الناس.

فهؤلاء القضاة الذين يغلقون أبواب المحاكم عليهم، ويتركون الناس خلف الأبواب، يغشاهم الذل والصغار، والقاضي غير مكترث بهم، ولا مهتم بأمرهم، ويمضي أكثر وقته في الحديث في مصالح نفسه الخاصة. وشهر للحج، وشهر للعُمرة، وشهر للمصيف في الطائف أو لبنان مثلاً. ويترك الناس يموج بعضهم في بعض بالنزاع والخصام، لا يجدون من يقطع النزاع عنهم، وهو مستأجر لحل مشاكلهم.. فهؤلاء بالحقيقة مخالفون لنصوص مذهبهم، فإن الفقه الإسلامي يمنع غلق الأبواب، ونصب الحجاب دون القاضي ودون الناس.

فافتحوا الأبواب، وسهلوا الحجاب، وبكروا في الجلوس، حتى يسهل عليكم معالجة الخصام، وتنظيم الأحكام. فإن جلوس القاضي في محل عمله لفصل القضاء بين الناس، أفضل من تطوعه بحجه وعمرته، وأفضل من صيامه بمكة؛ لأن جلوسه في محل القضاء واجب عليه، ومطلوب منه شرعًا وعرفًا، أما التطوع بالحج والعمرة فإنها ليست بواجبة عليه، ولا مستحبة في حقه، وقد لا تصح منه.

فلا ينبغي أن يهمل هذا الواجب المحتم عليه، في محاولة التنفل الذي هو ممنوع منه شرعًا وعرفًا.

فانتبهوا من غفلتكم، وتوبوا من زللكم، وحافظوا على فرائض ربكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

***