فهرست کتاب

واجب رب الأسرة تجاه زوجه وبناته لجهة تبرجهن

واجب رب الأسرة تجاه زوجه وبناته لجهة تبرجهن

السؤال: ما الواجب على راعي الأسرة تجاه ما يلبسه زوجه وبناته وتبرجهن تقليدًا للأجانب؟ [7/283]

الجواب [رقم: 290]:

قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون ٦[سورة التحريم، الآية: 6] يقول بعض السلف: إذا سمعت الله يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ فأصغ لها سمعك، فإنها خير تؤمر به، أو شرٌّ تنهى عنه.

يأمر الله عباده بأن يقوا أنفسهم وأهليهم من النار، فوقاية النفس من النار تحصل بأداء ما افترض الله، وترك ما حرم الله، كما أن وقاية الأهل من النار تحصل بأمرهم بالخير، ونهيهم عن الشر، تحصل بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فما نَحَل رجل أهله أفضل من أن ينحلهم أدبًا حسنًا يهذبهم به على الصلاح والصلاة والتقى، ويردعهم عن السفاه والفساد والردى. والرجل راع على أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وعلى أولادها وبناتها ومسؤولة عن رعيتها.

فمتى كان الرجل راعيًا على أهله، فمن واجبه أن يرعاهم بالمحافظة على الفرائض والفضائل، وأن يجنبهم منكرات الأخلاق والرذائل، ويأخذ بأيدي أولاده إلى الصلاة في المسجد معه، حتى يتربوا على محبة الصلاة؛ لأن من شب على شيء شاب على حبه؛ ولأنه بأخذ يد الولد إليها، ومجاهدته عليها، يعود حبها ملكة راسخة في قلبه، تحببه إلى ربه، وتقربه من خلقه، وتصلح أمر دنياه وآخرته؛ وهذا يعد من الجهاد في سبيل الله.

وكذلك المرأة من واجبها أن تربي بناتها على الستر والصيانة، وعلى الأمر بالطهارة والصلاة والطاعة، وأن تجنبهن عوائد التكشف والخلاعة؛ وهذا كله يعد من واجب أمانة التربية.

إن الله سبحانه خلق الناس متفاوتين، فمنهم المسلم، ومنهم الكافر، ومنهم التقي، ومنهم الفاجر، ومنهم الصالح، ومنهم الفاسق، فمتى تُرك الفاجر يتظاهر بفجوره وإلحاده، والفاسق يتظاهر بفسقه وفساده، بمرأى من الناس ومسمع، فإن هذا - والله - غاية الفساد للمجتمع؛ لأن الأخلاق تتعادى، والطباع تتناقل. يقول الله: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ١٦[سورة الإسراء، الآية: 16]، والمراد بالهلاك هنا، هلاك الأخلاق؛ لكون هلاك الأخلاق أضر من هلاك الأبدان؛ لأن بقاء الأمم ببقاء أخلاقهم، فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا؛ أو لأن الناس متى تركوا المنكرات تظهر وتشتهر بدون مانع ولا رادع، فإنه مؤذن بفتنة في الأرض وفساد كبير، وغايته أن يغرق الناس في الفساد بطريق العدوى، والتقليد الأعمى من بعضهم لبعض، فيزول بها الإحساس عن الناس.

وليعتبر المعتبر بالبلدان التي قوضت منها خيام الإسلام، وترك أهلها فرائض الصلاة والصيام، واستباحوا الجهر بفنون الكفر والفسوق والعصيان، كيف حال أهلها، وما دخل عليهم من النقص والجهل، والكفر وفساد الأخلاق والعقائد والأعمال، حتى صاروا بمثابة البهائم يتهارجون في الطرقات، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، ولا يمتنعون من قبيح، ولا يهتدون إلى حق؛ لأن إدمان رؤية المنكرات تقوم مقام ارتكابها في سلب القلوب نور التمييز والإنكار؛ ولأن المنكرات متى كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا إلى أن يراها الناس فلا يرون أنها منكرات، ولا يمر بفكر أحدهم أنها معاصٍ، على حد ما قيل: إذا كثر الإمساس قل الإحساس.

لهذا يجب تمرين البنات الصغار فضلاً عن الكبار على اللباس السابغ الساتر، حتى تشب إحداهن على محبته. ومن شب على شيء شاب على حبه.

وقد أخبر النبي ﷺ بأنه «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا» [رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (43)، وأحمد (17142) عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه]. وصدق الله ورسوله، فقد رأينا اختلافًا كثيرًا في الأخلاق، واختلافًا كثيرًا في العقائد والأعمال.

فمن هذا الاختلاف؛ أننا مكثنا أزمانًا طويلة ونحن نرى النساء في هذه البلدان يتمتعن بحالة مُرْضِية، وأخلاق كريمة زكية، رأيناهن حتى الصغار منهن يرفلن في حلل ساترة، وثياب واسعة سابغة، تغطي بها جميع جسمها، وتغطي بالخمار الساتر جميع رأسها ورقبتها، تعتقد اعتقادًا جازمًا أنه من واجبات دينها، وأنه شرط لصحة صلاتها، وأن إسباغ الستر عليها هو عنوان شرفها وفضلها، وعلامة مجدها وظرفها، فلو رأين من تبدي يديها إلى العضد أو الآباط، ورجليها إلى الركبة وإلى نصف الساق، وتمشي حاسرة الرأس بغير خمار؛ لابتدرنها بالضرب فضلاً عن السب، ولحسبنها ساقطة شرف ومروءة، عديمة خلق ودين، ليست من نساء المسلمين؛ لأنها لبسة منكرة، وفاحشة مشتهرة، مجها العقل فضلاً عن الدين.

وفي هذا الزمان؛ لما كثر اختلاط النساء المسلمات بالنساء المتفرنجات، من نصرانيات وعربيات لا دين لهن ولا خلق، طفقن يتعلمن منهن هذه اللبسة القبيحة، لبسة العراء والعار، ولبسة الذل والصغار، ولبسة المتشبهات بنساء الكفار، «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» [عن ابن عمر وحذيفة وأنس مرفوعًا وعن الحسن مرسلاً وعن عمر موقوفًا]، وأخذت هذه اللبسة المزرية تسري في بيوت الأسر والعوائل، على سبيل العدوى، والتقليد الأعمى، يتحلى بها الكبار، ويتربى عليها الصغار، وأرباب البيوت ساكتون واجمون لا يغيرون شيئًا من هذه الأزياء من كل ما تشتهيه النساء.

وساعدهم على هذا التكشف، كثرة ما يشاهدونه من عرض الأفلام الخليعة التي هي بمثابة الدروس للرؤوس، وتعمل في الأخلاق عمل الخمر للنفوس، وقد قيل: حسبك من شر سماعه. فما بالك برؤيته؟!

فيا معشر النساء المسلمات؛ إن الله سبحانه شرفكن بالإسلام، وفضلكن به على سائر الأنام، متى قمتن بالعمل به على التمام. وإن المرأة بأخلاقها واعتدالها، لا بزيها وجمالها، فالزمن لباس الشرف، لباس الحشمة والفضيلة، وهو اللباس السابغ الساتر، لباس الجلال والجمال، لباس الحياء والوقار، لباس التقيات الأطهار، ولا ينجرف بكن الهوى، والتقليد الأعمى، إلى مشابهة نساء الكفار، فحذار حذار أن تكن من نساء أهل النار اللاتي وصفهن رسول الله ﷺ بأنهن الكاسيات العاريات، والمائلات المميلات، لا يجدن عرف الجنة - يعني ريحها[رواه مسلم (2128) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]- فللمسلمة دينها وسترها، وللكافرة خلاعتها وكفرها، ﴿وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ[سورة البقرة، الآية: 221].

إن في كتاب الله لأعظم مزدجر عن هذا المنكر بقول الله: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ[سورة الأحزاب، الآية: 59] ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[سورة النور، الآية: 31] فأمر الله نساء نبيه وبناته ونساء المؤمنين بالتبع، بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو الملحفة الواسعة، تشبه الرداء، تغطي بها جميع جسمها حتى لا يبدو منه شيء.

ثم قال: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ والخمار من شرطه أن يستر ما تحته من الشعر والصدر والرقبة والقلائد، ويتأكد ذلك في الصلاة، بحيث يجب على المسلمة أن تستر جميع بدنها في الصلاة حتى ولو كانت في دار مظلمة أو بالليل، وتستعمل الخمار الثخين الذي يستر ما تحته من الشعر والرقبة، لقول النبي ﷺ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ - أي: امرأة بالغ - إِلَّا بِخِمَارٍ» [رواه أبو داود (641)، وابن ماجه (655)، وأحمد (25167) من حديث عائشة رضي الله عنها].

والخمار الشفاف الرقيق الذي لا يستر ما تحته من الشعر والرقبة، فإنها لا تصح الصلاة فيه، إلا أن تجعل فوقه ثوبًا أو رداء يستر ما تحته.

وفي الآية الأخرى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [سورة الأحزاب، الآية: 33]، فهذا والله الخطاب اللطيف، والتهذيب الظريف، يأمر الله نساء نبيه، ونساء المؤمنين، بأن يقرن في بيوتهن؛ لأن أشرف حالات المرأة أن تكون قاعدة في قعر بيتها، لازمة لمهنتها، من خدمة بيتها وتربية عيالها، لا يكثر خروجها واطلاعها؛ لأن ثقل القدم من المرأة جلال، وكثرة الخروج والدخول مهانة؛ ويعرضها للتهمة والريبة، وقد وصف الله نساء أهل الجنة بما تتصف به العفائف الحرائر في الدنيا، فوصفهن بالبيض المكنون، وقاصرات الطرف، ومقصورات في الخيام، ثم قال: ﴿وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ التي نهى عنها القرآن، هو ما يفعله النساء في بعض البلدان، من إظهار مفاتن جسمها، بحيث تبدي يديها إلى العضد والآباط، ورجليها إلى الركبة أو إلى نصف الساق، وتمشي حاسرة الرأس بغير خمار، فهذا هو تبرج الجاهلية الأولى، ولم يكن معروفًا في نساء المسلمين، وإنما هو من زي نساء النصارى والعجم.

وفي هذا الزمان: أخذ نساء العرب يزدن في الخلاعة والتكشف على نساء النصارى، وعلى تبرج الجاهلية الأولى.

وكلما ضعف دين المرأة وفسد خلقها، أوغلت في التبرج، وأخلاق التفرنج؛ لأنها ناقصة عقل ودين، ومشبهة عقولهن بالقوارير، وقد ابتليت بهذا الشباب الطائش الذي يفتخر أحدهم بخلاعة زوجته، وبتبرجها بالأسواق بزيها المزري المخزي، وربما ذهب بها إلى أصدقائه من الأغيار الأجانب، ليمتعهم بالنظر إليها، ونظرها إليهم، ويربط علاقة الصداقة بينها وبينهم، فيوقعها في الفتنة والافتتان بها، وهذا يعتبر غاية في سقوط المروءة والشرف، وذهاب الحياء والغيرة.

من يهن يسهـل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام

إنه ما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع، ومن العصمة أن لا تقدر، وكم نظرة أثارت فتنة، وأورثت حسرة، وأشعلت في القلب محنة.

إن الرجال الناظرين إلى النسا
مثل السباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها
أكلت بلا عوض ولا أثمان

***