وجوب التسوية بين الأولاد في العطية والوصية
السؤال: ما هو الواجب فيما يتعلق بالعطية للأولاد أو البنات وإعطاء البعض دون الآخرين؟ [7/132]
الجواب [رقم: 196]:
من العدل وجوب التسوية بين الأولاد في العطية والوصية، وكان السلف الصالح يراعون العدل بين الأولاد حتى في القُبَل.
وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير: أن أباه نَحَله بعض ماله، فقالت أمه عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله ﷺ. فانطلق بي أبي إلى النبي ﷺ يشهده على صدقتي، فقال له رسول الله ﷺ: «أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟» قال: لا. قال: «اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ». وفي رواية قال: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ». قال: فرد أبي تلك العطية[رواه البخاري (2587، 2650)، ومسلم (1623)].
يقول العلماء: إن من شؤم هذا التخصيص وقوع العداوة والبغضاء في قلوب الإخوة على أبيهم، وعلى أخيهم المخصص بالعطاء دونهم، ووقوع العداوة من بعضهم على بعض، فينشأون متقاطعين متباغضين.
فمن أراد أن يخلف لأولاده مشكلة يتقاطعون عليها الأرحام، ويستمر فيها من بينهم النزاع والخصام، فليخصص أحدهم بالعطية أو يوقف الوقف على أحدهم، أو الأرض. ولم ينه الرسول والشارع الحكيم عن هذا التخصيص إلا من أجل شؤمه، وانتزاع بركته، وسوء عاقبته.
ومن الناس من يحابي بماله البنين دون البنات؛ ليحرمهن من حقهن، وهذا أيضًا يعد من الظلم، ومن الجنف والجور، فإن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث. ولما قسم الله الميراث في سورة النساء، وبين ما يخص كل واحد من الورثة، قال بعد تقسيمه: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ١٣وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِين١٤﴾[سورة النساء، الآيتان: 13 - 14]. يفسره حديث: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوْهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوْهَا» [رواه الطبراني في الكبير(22/221/589)، والدارقطني (4396)، وأبو نعيم في الحلية (9/17)، والبيهقي (10/21/19726) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه]. ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ١٣٥﴾[سورة النساء، الآية: 135].
ومن المشاهد بطريق الاعتبار أن المبرور بطريق الجور مضرور، وأن المحروم من حقه مرحوم، أي: تسبق له الرحمة من الله تعالى، ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا ١١﴾[سورة النساء، الآية: 11].
وههنا قضية هي لنا بمثابة العظة والعبرة، وخير الناس من وعظ بغيره؛ وذلك أن عبدالملك بن مروان خلف لعياله مالاً كثيرًا، يكفيهم لنفقتهم نهاية أعمارهم، وزادهم رضخًا في المال ليقيهم من الوقوع في الفقر. أما عمر بن عبدالعزيز فإنه لم يخلف لعياله سوى سبعين دينارًا، وقيل له: أوصِ لعيالك. قال: لا. إن عيالي أحد رجلين: إما رجل تقي، وإما ولد فاجر، ولا أريد أن أعين الفاجر على فجوره بشيء من المال، فتوفي رحمه الله عن غير مال. فدار الدهر بدورته. قال الراوي: فلقد رأيت عيال عمر بن عبدالعزيز يتصدقون على عيال عبدالملك بن مروان، ولقد رأيت أحد عيال عمر بن عبدالعزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله.
فاحفظ الله يحفظك في دينك وأهلك وعيالك. وفي الحديث: «من أحب أن يحفظ في عقبه وعقب عقبه، فليتق الله» [أخرجه ابن أبي الدنيا في الاعتبار وأعقاب السرور (88) برقم (71) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (31/222) بلفظ مقارب، وهو: «ما من ميت يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه». وهو من كلام عمر بن عبدالعزيز لا النبي ﷺ، وقد نسبه إليه ابن رجب في جامع العلوم والحكم. ولعل الوهم دخل من قصة عمر بن عبدالعزيز فتُوُهِّم أن هذا حديث مرفوع، والله أعلم].
فأفيقوا من رقدتكم، وتوبوا من زللكم، وحافظوا على فرائض ربكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.