فهرست کتاب

حكم اليمين ببيت الحلال، ويمين المكرَه

حكم اليمين ببيت الحلال، ويمين المكرَه

السؤال: [من إمارة عجمان]

الرجل الذي عقد على المرأة ولم يدخل بها وقد دفع لوالدها جميع المتفق عليه بينهما، ثم حصل النزاع بينه وبين والد المرأة في تعيين ليلة الدخول، حيث طلب الأب الإمهال إلى أربعة أيام، وطلب الزوج تنجيز الدخول ليلة الموعد، وزعم والد المرأة أن الزوج قال: (والله وبيت الحلال لا بد من التعريس هذه الليلة)، ولديه شاهد واحد يشهد بذلك، وقد أنكر الزوج صيغة هذا اللفظ وأنه قال: (والله لو دعت الحاجة إلى الحلف ببيت الحلال لحلفت).

الجواب [رقم: 251]:

إن هذا الرجل يصدق في صفة الكلام الواقع منه لكونه أروى به، ولا يقبل خلاف ما يقول إلا بشهادة عدلين، أما الشاهد الواحد فلا يقبل في مثله لكون النكاح والطلاق والحلف به والأيمان لا يقبل فيها إلا شهادة رجلين، وعلى فرض صحة وقوعه بهذه الصيغة على حسب دعوى والد المرأة، فيجب أن يسأل الزوج بماذا أردت من هذه الكلمة، فإن قال: إنما قصدت اليمين ولم أقصد الحلف بالطلاق فإنها تحمل على اليمين.

فأولها يمين بالله، والفقرة الثانية وهي قوله: وبيت الحلال يمين بغير الله، كالحلف بالأمانة وبالرأس وبحياة فلان، وبيت الحلال تتمشى على طريقة الأيمان المكفَّرة، لأن النبي ﷺ لما قال عن مارية: «هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ» أو قال: «والله لا وطئتها أبدًا» أنزل الله: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ١قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم ٢[سورة التحريم، الآيتان: 1- 2. وانظر: سنن النسائي (3959)] والحلف إنما يحمل على الحقيقة الظاهرة لا على المجاز الخفي، ويدان قائله ويصدق فيما نواه، ولا يحمل مثل هذا الكلام على كناية الطلاق الظاهرة ولا على الخفية، والحالف لم ينو ذلك.

على أن الزوج ووالد المرأة متى اتفقا على الدخول في ليلة معينة فحلف الزوج على دخوله بزوجته تلك الليلة فمنع والد المرأة دخوله عليها وزفافها له على سبيل الجبر والإكراه، فإن هذه اليمين لا تنعقد عند كثير من العلماء كما هو اختيار شيخ الإسلام وغيره، لأن الزوج صار بمثابة المكره على الحنث، وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَإِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» [رواه ابن ماجه (2045) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما]، وهذا من نوع المكره عليه؛ لأن الإكراه المعنوي كالإكراه الحسي، أشبه من أجبر على طلاق زوجته، فإنه لا يقع طلاقه بإجماع العلماء، لأنه لا عمل للمكره. ثم إن الحلف بالطلاق الذي يتكلم العلماء بموضوعه هو ما قصد به الحث، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، فحلف هذا الشخص حيث قال: (والله وبيت الحلال) إنما قصد به الحث على الدخول، وهذا اللفظ يحتمل أن يكون قصد به اليمين أو يمين الطلاق، لأن يمين الطلاق الذي يتكلم الفقهاء في شأنه هو مثل أن يقول: عليّ الطلاق أن أعرس بزوجتي هذه الليلة، وعلى احتمال أن يكون نوى بكلامه معنى ذلك فإنه يحمل على اليمين بالطلاق، وفيه الخلاف، والصحيح أنه داخل في جملة الأيمان المكفرة، ففيه كفارة اليمين كما هو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم، وأكثر المحدثين، وقد حكى العلامة ابن القيم إجماع الصحابة على ذلك، وجرى الحكم بموجبه في أكثر المحاكم الشرعية، لكون الطلاق الشرعي اللازم إنما يقع عن قصد من المطلق، وذلك بأن يقصد فراق زوجته، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: «إِنَّمَا الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالْعِتْقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» [ذكره البخاري (7/45 – الفتح) (كتاب الطلاق/ بَابُ الطَّلَاقِ فِي الإِغْلَاقِ وَالكُرْهِ) معلقًا عن ابن عباس رضي الله عنهما].

والحاصل بأن الذي حكم بجعله حلف طلاق وفيه كفارة اليمين نرى أن حكمه عدل وحق، وهو أشد ما يفتى به في مثله، فهو مصيب في حكمه لكون القرائن قد احتفت بعدم وقوع الطلاق، وبعدم إرادته له من وجوه متعددة تعرف مما يلي:

1– أن المتكلم ينفي أن يكون وقع منه هذا اللفظ بصفة ما يدعي به الأب، وإنما قال: (والله لو دعت الحاجة إلى الحلف ببيت الحلال لحلفت).

2– إنما شهد بذلك شاهد واحد ولا يقبل في مثله إلا شهادة عدلين.

3– أن الحنث في اليمين وقع بطريق الإكراه والجبر حيث امتنع الأب من تسليم المرأة إلى زوجها وقد عفي لهذه الأمة عما استكرهوا عليه.

4– أن هذا اللفظ محتمل لإرادة الحلف المجرد أو لإرادة الحلف بالطلاق، فمتى ادعى أنه لم يرد الحلف بالطلاق فإنه يصدق في ذلك؛ لأنه أدرى بنيته وقصده.

5– متى قصد اليمين بالطلاق فإن فيه كفارة اليمين ولا تطلق الزوجة كما حكي إجماع الصحابة على ذلك، وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وأكثر المحدثين، وعليه العمل في أكثر المحاكم الشرعية، ونحن نفتي بذلك.

6– أن هذا اللفظ بصفته بعيدًا عن معنى كناية الطلاق الظاهرة والخفية، حيث لم ينو الزوج فراق زوجته، ولا يقول بوقوع الطلاق في مثله إلا من هو قليل الفقه والمعرفة بحقائق النصوص والقصود والعلوم النافعة.

7– أن حكم القاضي يقطع النزاع ويزيل الخلاف في وقته، وقد حكم فضيلة قاضي عجمان بكون هذا اللفظ يمين طلاق مكفرة وليس بالطلاق، ونحن نرى أن هذا الحكم حق وعدل يجب على حاكم البلاد تنفيذه والإلزام بموجبه.

جعلني الله وإياكم من الذين يهدون بالحق وبه يعدلون.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(10/1/1388هـ، 9/4/1968م) رئيس المحاكم الشرعية بقطر

***