فهرست کتاب

حكم جهاد العدو الصائل والإعانة عليه

حكم جهاد العدو الصائل والإعانة عليه

السؤال: ما حكم جهاد العدو الصائل والإعانة عليه من مثل قتال العرب لليهود؟ [7/123]

الجواب [رقم: 210]:

جهاد هذا العدو الصائل واجب على المسلمين بكل الوسائل، فمن تعذر عليه ببدنه، تعين عليه بماله، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ[سورة التوبة، الآية: 111].

ولأن المال بمثابة الترس للإسلام، يستجلب به العدد والعتاد، وسائر وسائل الجهاد، ويستدفع به صولة أهل الكفر والعناد، فهو المحور الذي تدور عليه رحى الحرب، ويستعان به في الطعن والضرب، والمسلم يجاهد بنفسه وماله، وقد فرض الله في أموال الأغنياء نصيبًا مفروضًا يصرف في الجهاد والمجاهدين في سبيل الله، فيجوز أو يستحب للتاجر أن يصرف زكاته في هذه الحالة إلى المجاهدين في سبيل الله، وفي المال حق سوى الزكاة فمن لم يكن عنده زكاة، وجب أن يساهم بقدر استطاعته، كل على حسب مقدرته، والدرهم بسبعمائة درهم، وعند الله أضعاف كثيرة.

ولست أقول: إن مساعدة هؤلاء المجاهدين أنها مستحبة فحسب، وإنما أقول: إنها واجبة كوجوب الصلاة والصيام؛ لأن الجهاد ذروة سنام الإسلام، والنبي ﷺ قال: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ» [رواه أبو داود (2504)، والنسائي (3096)، وأحمد (12246) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه].

إنه من بعد حروب الصحابة والتابعين، ثم حروب صلاح الدين مع التتر والصليبيين، حينما أجلاهم عن بلدان العرب المسلمين، لم نسمع بالجهاد في سبيل الله الصحيح الحقيقي، إلا في هذا القتال الواقع بين المسلمين مع اليهود، فهذا هو الجهاد في سبيل الله حقًّا، والذي يجب أن يضحى في سبيله بالنفس والنفيس.

لأن هؤلاء المجاهدين المباشرين للقتال؛ هم بمثابة المرابطين دون ثغور المسلمين، يحمون حدود المسلمين وحقوقهم، فهم يحاربون دون أديانكم وأبدانكم، يحاربون دون ذراريكم ونسائكم، يحاربون دون مجدكم وشرفكم وحسن سمعتكم. وقد طلبوا النجدة والمساعدة من إخوانهم المسلمين، وقد أوجب الله عليكم نصرتهم، فقال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ[سورة الأنفال، الآية: 72] والنصر يكون بالقوة والرجال، ويكون بالمال ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ[سورة النور، الآية: 33]، فمن العار أن تنعموا وهم بائسون، أو تشبعوا وهم جائعون، أو يضعفوا وأنتم مقتدرون، والمسلم كثير بإخوانه، قوي بأعوانه.

وإنه ما بخل أحد بنفقة واجبة في سبيل الحق، كالجهاد في سبيل الله، إلا أتلف الله عليه ما هو أكثر منها، والناس إنما يستحبون اقتناء المال لحوادث الزمان.

وهذا القتال هو أشد حادثة وقعت على الإسلام والمسلمين في هذه السنين، وله ما بعده من العز أو الذل، نعوذ بالله من الخذلان.

إن في العهد الذي عهده رسول الله ﷺ لأمته أن ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم يد على من سواهم[انظر: صحيح البخاري (3179)، وصحيح مسلم (1370)، وسنن أبي داود (4530)، وسنن الترمذي (2127)، وسنن النسائي (4745) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه]، ومعنى كونهم يدًا على من سواهم، أنهم متى بغى عدو على المسلمين كهؤلاء اليهود، فإن من الواجب أن يكونوا كاليد الواحدة في دحر نحره ودفع شره؛ لأن المسلم كالبنيان للمسلم ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[سورة المائدة، الآية: 2].

لقد بلغكم من الأخبار المشهورة، والجرائد المنشورة، أن مدار قوة اليهود، تتركز على مساعدات قومهم لهم، أفلا يكون المسلمون أحق بالسبق إلى هذه الفضيلة التي أوجبها عليهم كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنتم تقاتلون على الحق وهم على الباطل.

إن الله سبحانه قد أوجب الجهاد، وأمر بالاستعداد له بالقوة، ومن المعلوم أنه لا قوة بعد الله إلا بالمال، وبدونه يقع الناس في الذل والضر ولا بد.

وكيف يصول في الأيام ليث
إذا وهت المخالب والنيوب

إن هذه القضية قد حركت كل من في قلبه نخوة دينية، أو غيرة عربية، فساهموا في الفضل، وتنافسوا في البذل، فمنهم من ضحى بالنفس، ومنهم من جاد بالنفيس؛ لأنه لا خبيئة بعد بؤس، ولا عطر بعد عروس، والمال لا يستغنى عنه في حال من الأحوال، وناهيك بالحاجة إليه في أزمة القتال.

لا تذخروا المال للأعداء إنهمُ
إن يظهروا يحتووكم والتلاد معا
هيهات لا مال من زرع ولا إبل
يرجى لغابركم إن أنفكم جدعا

﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ[سورة محمد، الآية: 38]، ﴿وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون[سورة التغابن، الآية: 16].

***