فهرست کتاب

رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال

رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال

السؤال: هل يجوز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال؟ [7/23]

الجواب [رقم: 121]:

نعم يجوز ذلك، فقد ركب رسول الله ﷺ راحلته فجعلوا يسألونه، فما سئل عن شيء قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلا قال: «افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ». فرفع الحرج عن الناس في جميع ما قدموه أو أخروه من بقية مناسك الحج، حتى سأله رجل فقال: رميت بعدما أمسيت. فقال: «افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ». وهذا الحديث في الصحيحين عن ابن عباس[أخرجه البخاري (83)، ومسلم (1306) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، وليس من حديث ابن عباس رضي الله عنهما]. وهو نص صريح في جواز تقديم رمي الجمار قبل الزوال، أو تأخيرها عن هذا الوقت، فيجوز رميها في أية ساعة شاء من ليل أو نهار، أشبه النحر والحلق، وأشبه طواف الإفاضة - الذي هو ركن الحج - فقد طاف رسول الله ﷺ وأصحابه يوم العيد بعدما أكلوا من لحم هديهم، وشربوا من مرقه. ثم قال العلماء بجواز التوسعة في فعله، وأنه يطوف في أية ساعة شاء من ليل أو نهار من يوم العيد، أو سائر أيام التشريق.

فلا أدري ما الذي جعلهم يشددون في عدم جواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق؛ وهو عمل يقع بعد التحلل الأول، وفيه حديث: «إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ، وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ». رواه الإمام أحمد، وأبو داود من حديث عائشة[مسند أحمد (25103)، وسنن أبي داود (1978) وإسناده ضعيف].

وإذا طاف طواف الإفاضة فقد تحلل التحلل الثاني، بحيث يباح له كل ما يفعله من سائر المباحات من الطيب والجماع وغير ذلك. ولو مات لحكم بتمام حجه، قاله في الإقناع. وقال أيضًا: إنه لو أخر رمي الجمار كلها حتى جمرة العقبة يوم العيد ثم رماها كلها في اليوم الثالث أجزأه ذلك أداءً لاعتبار أن أيام منى كالوقت الواحد، وهذا ظاهر مذهب الحنابلة والشافعية؛ لكونه قد وقع التسهيل، والتيسير من النبي ﷺ في بقية واجبات الحج التي تفعل يوم العيد، وأيام التشريق، حيث إنه لم يُسأل عن شيء من التقديم والتأخير إلا قال: «افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ» [رواه البخاري (83)، ومسلم (1306) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما].

وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.

من ذلك: أن العباس استأذن النبي ﷺ أن يبيت بمكة ليالي منى؛ من أجل سقاية الحاج فأذن له في ذلك، ولم يأمره باستنابة من يرمي بدله، كما أنه رخص لرعاة الإبل في البيتوتة بعيدًا عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد وبعد الغد ليوم النفر، وقيس عليه كل من يخاف على نفسه وماله. والله أعلم. اهـ.

وقال الشيخ في موضع آخر: ص27:

لعل السبب في تأخيره - ﷺ - رمي الجمار إلى الزوال أنه يريد أن يخرج بالناس مخرجًا واحدًا للرمي وللصلاة في مسجد الخيف؛ ليكون أسمح وأيسر لهم.

ولم يثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال لا ترموا الجمرة حتى تزول الشمس حتى يكون فيه حجة لمن حدده. وأما قوله: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» [رواه مسلم (1297)، وأبو داود (1970)، والنسائي (3062)، وأحمد (14943)، والبيهقي في الكبرى (5/204) (9524) من حديث جابر رضي الله عنه] فإن مناسكه تشمل الأركان، والواجبات، والمستحبات، وأما تحديد الفقهاء للرمي أيام التشريق بما بين الزوال إلى الغروب، فإنه تحديد خال من الدليل، وقد أوقع الناس في الحرج والضيق لكون الجمع كثيرًا، وزمن الرمي قصير، وحوض المرمى صغير، وصار الناس يطأ بعضهم بعضًا عنده، والنبي ﷺ قد بيّن للناس ما يحتاجون إليه، فما سئل عن شيء من التقديم والتأخير فيما يفعلونه في يوم العيد وأيام التشريق إلا قال: «افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ». فنفى وقوع الحرج عن كل شيء من التقديم والتأخير، فلو كان يوجد في أيام التشريق وقت نهي غير قابل للرمي لبينه النبي ﷺ للناس بنص جلي قطعي الرواية والدلالة، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه. والحالة الآن، وفي هذا الزمان، هي حالة حرج ومشقة وضرورة، توجب على العلماء إعادة النظر فيما يزيل عن أمتهم هذا الضرر، ويؤمِّن الناس من مخاوف الوقوع في هذا الخطر الحاصل من شدة الزحام، والسقوط تحت الأقدام، حتى صاروا يحصون وفيات الزحام كل عام، إذ هو من باب تكليف ما لا يستطاع، ولا يلزم بتركه مع العجز عنه دم، وصار الحكم بلزومه مستلزمًا للعجز عنه، والله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

إذا شئت أن تُعصَى وإن كنت قادرًا
فمُرْ بالذي لا يُستطاع من الأمر