فهرست کتاب

الأضحية عن الميت

الأضحية عن الميت

السؤال: ما حكم الأضحية عن الميت؟ [6/373]

الجواب [رقم: 264]:

أما الأضحية عن الميت فإنه بمقتضى التتبع والاستقراء لكتب الصحاح والسنن والمسانيد، لم نجد حديثًا صحيحًا، ولا دليلاً صريحًا من كتاب الله ولا سنة رسوله ﷺ، يأمر فيه بأضحية عن الميت، أو يشير إلى وصول ثوابها إليه، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه ضحى لميته، أو أنه أوصى أن يضحى عنه بعد موته، أو أوقف وقفًا في أضحية، فليس لها ذكر عندهم، لا في أوقافهم، ولا وصاياهم، ولا تبرعاتهم لموتاهم. فلو كانت الأضحية عن الميت من السنة، أو أنه يصل إلى الميت ثوابها، لسبقونا إليها. فعدم فعلها يعد من الأمر المجمع عليه زمن الصحابة، واستصحاب حكم الإجماع في محل النزاع حجة.

كما أن الظاهر من مذهب الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أبي حنيفة أنه لا أضحية للميت لعدم مشروعيتها. فهي شاة لحم، لكون الأضحية الشرعية: إنما شرعت في حق الحي تشريفًا لعيد الإسلام وإظهارًا للفرح به والسرور، أو الشكر على بلوغه.

والنبي ﷺ قد أرشد الأولاد بأن يتصدقوا عن والديهم الميتين، ولم يأمرهم بأن يضحوا عنهم، فمن ذلك ما روى البخاري ومسلم أن سعد بن عبادة قال للنبي: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت. أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم، تصدق عن أمك» [رواه البخاري (2760)، ومسلم (1004) من حديث عائشة رضي الله عنها]. ولم يقل: ضح عن أمك.

وروى مسلم في صحيحه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: «نعم، تصدق عن أبيك» [رواه مسلم (1630) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

ومثله ما روى أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، أن رجلاً من بني ساعدة جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إن أبوي قد ماتا، فهل بقي عليّ من برهما شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا» [رواه أبو داود (5142)، وابن ماجه (3664)، وأحمد (16059)، وابن حبان (418) من حديث أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه بإسناد ضعيف].

فهذه وصايا رسول الله ﷺ بالأمر بالصلة والصدقة، وبالدعاء الذي يصل إليهما نفعهما. ولو كانت الأضحية عنهما بعد موتهما أنها من البر، أو أنه يصل إليهما ثوابها، لأرشده النبي ﷺ إلى فعلها.

ومثله صدقة عمر التي استشار النبي ﷺ فيها، فقال له: «حَبِّسْ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقَ بِثَمَرِهَا». فتصدق بها عمر على الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف. لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقًا غير متمول مالاً[رواه البخاري (2737)، ومسلم (1632) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].

ولو كانت الأضحية من عمل البر، أو أنه يصل إليه ثوابها بعد موته، لما ساغ لعمر أن ينساها لنفسه.

وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقةٍ جَاريَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» [رواه مسلم (1631)، وأبو داود (2880)، والترمذي (1376)، والنسائي (3651) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. ولم يقل: أو أضحية تذبح له بعد موته.

ولا تسمى الأضحية صدقة، لكنه لو ضحى بقصد الصدقة عن والديه أو أحدهما بذبيحة يدخلها على أهل بيت من الفقراء؛ فإنها نعم الصدقة، ويصل إليهما ثوابها، إذ هي من الصدقة المستحبة.

وحيث لم يثبت عن النبي ﷺ أنه أمر أحدًا أن يضحي عن ميته، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه ضحى عن ميته، ولا أوصى أن يضحى عنه بعد موته، علمنا حينئذ أنها ليست بمشروعة، ولا مرغب فيها، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، إلا أن يذبحها ليتصدق بلحمها على الفقراء والمساكين فجائز.

لكن الصدقة بثمن الأضحية عن الميت أفضل من ذبح الأضحية عنه، لكون الصدقة خاصة في عشر ذي الحجة تصادف من الفقير موضع حاجة وشدة فاقة، لما يتطلبه العيد من الحاجة والنفقة والكسوة له ولعياله، فتقع هذه الصدقة من الفقير بالموقع الذي يحبها الله، من تفريج كربته، وقضاء حاجته، وإدخال السرور عليه وعلى أهل بيته.

***