فقه احناف در پرتو آیات قرآن و احادیث

فهرست کتاب

فَصلٌ فِي كَيفِيَّةِ تَركِيبِ أَفعَالِ الحَجِّ

فَصلٌ فِي كَيفِيَّةِ تَركِيبِ أَفعَالِ الحَجِّ

إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الحَجِّ، أَحرَمَ مِنَ المِيقَاتِ كَرَابِغَ؛ فَيَغتَسِلُ أَو يَتَوَضَّأُ وَالغُسلُ وَهُوَ اَحَبُّ لِلتَّنظِيفِ؛ فَتَغتَسِلُ المَرأةُ الحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا لَم يَضُرَّهَا؛ وَيَستَحِبُّ كَمَالُ النَّظافَةِ بِقَصِّ الظُّفرِ وَالشَارِبِ وَنَتفُ الإِبِطِ وَحَلقِ العَانَةِ وَجِمَاعِ الاَهلِ وَالدَّهنِ وَلَو مُطَيَّبًا؛ وَيَلبَسُ الرَّجُلُ إِزارًا وَرِداءً جَدِيدَينِ أَو غَسِيلَينِ؛ وَالجَدِيدُ الاَبيَضُ، أَفضَلُ؛ وَلَا يَزُرَّه وَلَا يَعقِدُه وَلَا يُخَلِّلُه؛ فَإِن فَعَلَ كُرِهَ وَلَا شَئَ عَلَيهِ؛ وَتَطَيَّبْ وَصَلِّ رَكعَتَينِ وَقُل: «اَللهُمَّ اِنِّي أَرِيدُ الحَجَّ فَيَسِّرهُ لِي وَتَقَبَّلهُ مِنِّي»؛ وَلَبِّ دُبُرَ صَلاتِكَ تَنوِي بِهَا الحَجَّ؛ وَهِيَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ.

وَ لَا تَنقُصْ مِن هذِه الاَلفَاظِ شَيئًا وَزِد فِيهَا: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ»؛ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ.

فَإِذَا لَبَّيتَ، نَاوِيًا، فَقَد اَحرَمتَ؛ فَاتَّقِ الرَّفثَ؛ وَهُوَ الجِمَاعُ. وَقِيلَ: ذِكرُه بِحَضرَةِ النِّساءِ وَالكَلَامُ الفَاحِشُ وَالفُسُوقَ وَالمَعَاصِيَ وَالجِدَالَ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَالخَدَمِ وَقَتلَ صَيدِ البَرِّ وَالاِشَارَةَ اِلَيه وَالدّلالةَ عَلَيهِ وَلُبسَ المِخيَطِ وَالعِمَامةِ وَالخُفَّينِ وَتَغطِيَةَ الرَّأسِ وَالوَجهِ وَمَسَّ الطِّيبِ وَحَلقَ الرَّأسِ وَالشَّعرِ وَيَجُوزُ الاِغتِسَالُ وَالاِستِظلَالُ بِالخَيمَةِ وَالمَحَلِّ وَغَيرِهِمَا وَشَدُّ الهِميَانِ فِي الوَسَطِ؛ وَاَكثِرِ التَّلبِيَةَ مَتی صَلَّيتَ اَو عَلَوتَ شَرَفًا اَو هَبَطتَّ وَادِيًا اَو لَقِيتَ رَكبًا وَبِالاَسحَارِ رَافِعًا صَوتَكَ بِلَا جُهدٍ مُضِرٍّ.

وَ إِذَا وَصَلتَ إِلی مَكَّةَ، يَستَحبُّ أَن تَغتَسِلَ وَتَدخُلَهَا مِن بَابِ المُعَلَّی لِتَكُونَ مُستَقبِلًا فِي دُخُولِكَ بَابَ البَيتِ الشَّرِيفِ تَعظِيمًا؛ وَيَستَحِبُّ أَن تَكُونَ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِكَ حَتَّی تَأتِيَ بَابَ السَّلَامِ فَتَدخُلَ المَسجِدَ الحَرَامَ مِنهُ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظاً جَلَالَةَ المَكَانِ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا عَلَی النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُتَلَطِّفًا بِالمُزَاحِمِ دَاعِيًا بِمَا اَحبَبتَ فَإِنَّه مُستَجابٌ عِندَ رُؤيَةِ البَيتِ المُكَرَّمِ؛ ثُمَّ استَقبِلِ الحَجَرَالاَسوَدَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا رَافِعًا يَدَيكَ كَمَا فِي الصَّلوةِ وَضَعْهُمَا عَلَی الحَجَرِ وَقَبِّلهُ بِلَا صَوتٍ. فَمَن عَجَزَ عَن ذَلِكَ إِلَّا بِإِيذَاءٍ، تَرَكَه وَمَسَّ الحَجَرَ بِشئٍ وَقَبَّلَه أَو اَشَارَ اِلَيهِ مِن بَعِيدٍ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا حَامِدًا مُصَلِّيًا عَلَی النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ثُمَّ طُف آخِذًا عَن يَمِينِكَ مِمَّا يَلِي البَابَ مُضطَجِعًا؛ وَهُوَ: أَن تَجعَلَ الرِّدَاءَ تَحتَ الاِبِطِ الاَيمَنِ وَتُلقِيَ طَرَفَيه عَلَی الأَيسَرِ سَبعَةَ اَشوَاطٍ دَاعِيًا فِيهَا بِمَا شِئتَ وَطُف وَرَاءَ الحَطِيمِ؛ وَإِن أَرَدتَ أَن تَسعَی بَينَ الصَّفَا وَالمَروَةِ عَقِبَ الطَّوَافِ فَارمُل فِي الثَّلَاثَةِ الاَشوَاطِ الأُوَلِ؛ وَهُوَ: المَشيُ بِسُرعَةٍ مَعَ هَزِّالكَتِفَينِ كَالمُبَارِزِ يَتَبَختَرُ بَينَ الصَّفَّينِ؛ فَإِن زَحَمَهُ النَّاسُ، وَقَفَ؛ فَإِذَا وَجَدَ فُرجَةَ رَمَلٍ لَا بُدَّ لَه مِنهُ، فَيَقِفُ حَتَّی يُقِيمَه عَلَی الوَجهِ المَسنُونِ بِخِلافِ إِستِلَامِ الحَجَرِ الاَسوَدِ لِأَنَّ لَه بَدَلًا، وَهُوَ: اِستِقبَالُه. وَيَستَلِمُ الحَجَرَ كُلَّمَا مَرَّ بِه وَيَختِمُ الطَّوَافَ بِه وَبِرَكعَتَينِ فِي مَقَامِ اِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ أَو حَيثُ تَيَسَّرَ مِنَ المَسجِدِ؛ ثُمَّ دَعَا فاستَلَمَ الحَجَرَ. وَهَذَا طَوَافُ القُدُومِ؛ وَهُوَ: سُنَّةٌ لِلآفَاقِي.

ثُمَّ تَخرُجُ اِلَی الصَّفَا فَتَصعَدُ وَتَقُومُ عَلَيهَا حَتَّی تَری البَيتَ فَتَستَقبِلُه مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا دَاعِيًا وَتَرفَعُ يَدَيكَ مَبسُوطَتَينِ ثُمَّ تَهبِطُ نَحوَ المَروَةِ عَلَی هِينَةٍ؛ فَإِذَا وَصَلَ بَطنَ الوَادِي، سَعي بَينَ المِيلَينِ الأَخضَرَينِ سَعيًا حَثِيثًا؛ فَإِذَا تَجَاوَزَ بَطنَ الوَادِي، مَشَی عَلَی هِينَةٍ حَتَّی يَأتِيَ المَروَةَ فَيَصعَدَ عَلَيهَا وَيَفعَلَ كَمَا فَعَلَ عَلَی الصَّفَا؛ يَستَقبِلُ البَيتَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا دَاعِيًا بَاسِطًا يَدَيهِ نَحوَ السَّمَاء. وَهَذَا شَوطٌ؛ ثُمَّ يَعُودُ قَاصِدًا الصَّفا؛ فَإِذَا وَصَلَ اِلَی المِيلَينِ الاَخضَرَينِ سَعَی ثُمَّ مَشَی عَلَی هِينَةٍ حَتَّی يَأتِيَ الصَّفَا؛ فَيَصعَدَ عَلَيهَا وَيَفعَلَ كَمَا فَعَلَ أَوَّلًا؛ وَهَذَا شَوطٌ ثَانٍ. فَيَطُوفُ سَبعَةَ اَشوَاطٍ؛ يَبدَأ بِالصَّفَا وَيَختِمُ بِالمَروَةِ وَيَسعَی فِي بَطنِ الوَادِي فِي كُلِّ شَوطٍ مِنهَا؛ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ مُحرِمًا وَيَطُوفُ بِالبَيتِ كُلَّمَا بَدَأ لَه، وَهُوَ اَفضَلُ مِنَ الصَّلوةِ نَفلًا لِلآفَاقِيّ؛ فَإِذَا صَلَّی الفَجرَ بِمَكَّةَ ثَامِنَ ذِي الحَجَّةِ؛ تَأَهَّبَ لِلخُرُوجِ اِلی مِنَیٰ؛ فَيخرُجُ مِنهَا بَعدَ طُلُوعِ الشَّمسِ؛ وَيَستَحِبُّ أَن يُصَلِّيَ الظُّهرَ بِمِنیٰ وَلَا يَترُكُ التَّلبِيَةَ فِي اَحوَالِه كُلِّهَا إِلَّا فِي الطَّوَافِ؛ وَيَمكُثُ بِمِنیٰ إِلی أَن يُصَلِّيَ الفَجرَ بِهَا بِغَلَسٍ وَيَنزِلُ بِقُربِ مَسجِدِ الخِيفِ؛ ثُمَّ بَعدَ طُلُوعِ الشَّمسِ يَذهَبُ اِلی عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا؛ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمسُ يَأتِي مَسجِدَ نَمِرَةَ فَيُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ الأَعظَمِ أَو نَائِبهِ الظُّهرَ وَالعَصرَ بَعدَ مَا يَخطُبُ خُطبَتَينِ يَجلِسُ بَينَهُمَا وَيُصَلِّي الفَرضَينِ بِأَذَانٍ وإِقَامَتَينِ وَلَا يَجمَعُ بَينَهُمَا إِلَّا بِشَرطَينِ: الاَحرَامِ وَالاِمامِ الاَعظَمِ وَلَا يَفصِلُ بَينَ الصَّلواتَينِ بِنَافِلَةٍ وَإِذَا لَم يُدرِكِ الاِمَامَ الاَعظَمَ صَلَّی كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقتِهَا المُعْتٰادِ؛ فَاِذٰا صَلّٰی مَعَ الْاِمٰامِ، يَتَوَجَّهُ اِلَی المَوْقَفِ؛ وَعَرَفٰاتٌ كُلُّهٰا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطنَ عُرنَةَ وَيَغتَسِلُ بَعدَ الزَّوَالِ فِي عَرَفَاتٍ لِلوُقُوفِ وَيَقِفُ بِقُربِ جَبَلِ الرَّحمَةِ مُستَقبِلًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا دَاعِيًا مَادًّا يَدَيهِ كَالمُستَطعِمِ؛ وَيَجتَهِدُ فِي الدُّعَاء لِنَفسِه وَ وَالِدَيهِ وَاِخوَانِه وَيَجتَهِدُ عَلَی أَن يَخرُجَ مِن عَينَيهِ قَطَرَاتٌ مَنَ الدَّمعِ؛ فَإِنَّه دَلِيلُ القُبُولِ. وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ رَجَاءِ الاِجَابَةِ وَلَا يُقَصِّرُ فِي هَذَا اليَومِ إِذ لَا يُمكِنُه تَدَارُكُه سِيِّمَا إِذَا كَانَ مِنَ الآفَآقِ. وَالوُقُوفُ عَلَی الرَّاحِلَةِ، أَفضَلُ؛ وَالقَائِمُ عَلَی الاَرضِ، أَفضَلُ مِنَ القَاعِدِ. فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمسُ، أَفَاضَ الاِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَه عَلَی هِينَتِهِم، وَإِذَا وَجَدَ فُرجَةً يُسرِعُ مِن غَيرِ أَن يُّؤذِيَ أَحَدًا وَيَتَحَرَّزُ عَمَّا يَفعَلُه الجَهَلَةُ مِنَ الاِشتِدَادِ فِي السَّيرِ وَالاِزدِحَامِ وَالاِيذَاءِ؛ فَإِنَّه حَرَامٌ؛ حَتَّی يَأتِيَ مُزدَلَفَةَ. فَيَنزِلُ بِقُربِ جَبَلِ قُزَحَ وَيَرتَفِعُ عَن بَطنِ الوَادِي تَوسِعَةً لِلمَارِّينَ وَيُصَلِّي بِهَا المَغرِبَ وَالعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَلَو تَطَوَّعَ بَينَهُمَا اَو تَشَاغَلَ، أَعَادَ الإِقَامَةَ وَلَم تَجُزِ المَغرِبُ فِي طَريقِ المُزدَلَفَةِ وَعَلَيهِ إِعَادَتُهَا مَا لَم يَطلُعِ الفَجرُ. وَيُسَنُّ المَبِيتُ بِالمُزدَلَفَةِ. فَإِذَا طَلَعَ الفَجرُ، صَلَّی الاِمَامُ بِالنَّاسِ الفَجرَ بِغَلَسٍ ثَمَّ يَقِفُ وَالنَّاسُ مَعَه. وَالمُزدَلَفَةُ، كُلُّهَا مَوقِفٌ إِلَّا بَطنَ مُحَسِّرٍ. وَيَقِفُ مُجتَهِدًا فِي دُعَائِه وَيَدعُو اللهَ أَن يُتِمَّ مُرَادَه وَسُؤَالَه فِي هَذَا المَوقِفِ كَمَا أَتَمَّه لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا اَسفَرَ جِدًّا أَفَاضَ الاِمَامُ وَالنَّاسُ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ فَيَأتِي إِلی مِنیٰ وَيَنزِلُ بِهَا ثُمَّ يَأتِي جَمرَةَ العَقَبَةِ فَيَرمِيهَا مِن بَطنِ الوَادِي بِسَبعِ حَصِيَّاتٍ مِثلَ حَصَی الخَزَفِ؛ وَيَستَحِبُّ أَخذُ الجِمَارِ مِنَ المُزدَلَفَةِ أَو مِنَ الطَّرِيقِ؛ وَيَكرَهُ مِنَ الَّذِي عِندَ الجَمرَةِ؛ وَيَكرَهُ الرَّميُ مِن أَعلَی العَقَبَةِ لِاِيذَائِه النَّاسَ؛ وَيَلتَقِطُهَا إِلتِقَاطًا؛ وَلَا يَكسِرُ حَجَرًا جِمَارًا؛ وَيَغسِلُهَا لِيَتَيَقَّنَ طَهَارَتِهَا فَإِنَّهَا يُقَامُ بِهَا قُربَةٌ. وَلَو رَمَی بِنَجِسَةٍ؛ أَجزَأهُ وَكُرِهَ؛ وَيَقطَعُ التَّلبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرمِيهَا.

وَ كَيفِيَّةُ الرَّميِ: أَن يَّأخُذَ الحَصَاةَ بِطرفِ اِبهَامِه وَسَبَّابَتِه فِي الاَصَحِّ؛ لِأَنَّه أَيسَرُ وَاَكثَرُ إِهَانَةً لِلشَّيطَانِ؛ وَالمَسنُونُ: الرَّميُ بِاليَدِ اليُمنی. وَيَضَعُ الحَصَاةَ عَلَی ظَهرِ إِبهَامِه وَيَستَعِينُ بِالمُسَبِّحَةِ وَيَكُونُ بَينَ الرَّامِي وَمَوضِعِ السُّقُوطِ خَمسَةُ أَذرُعٍ وَلَو وَقَعَت عَلَی رِجلٍ أَو مَحمَلٍ وَثَبَتَت، أَعَادَهَا وَإِن سَقَطَت عَلَی سُنَنِهَا، ذَالِك أَجزَأهُ. وَكَبَّر بِكُلِّ حَصَاةٍ؛ ثُمَّ يَذبَحُ المُفرِدُ بِالحَجَّ إِن أَحَبَّه ثُمَّ يَحلِقُ أَو يُقَصِّرُ؛ وَالحَلقُ أَفضَلُ؛ وَيَكفِي فِيهِ رُبعُ الرَّأسِ. وَالتَّقصِيرُ: أَن يَأخُذَ مِن رُؤُوسِ شَعرِه مِقدَارَ الأَنمِلَةِ. وَقَد حَلَّ لَه كُلُّ شَئٍ إِلَّا النِّسَاءَ.

ثُمَّ يَأتِي مَكَّةَ مِن يَومِه ذَالِكَ أَو مِنَ الغَدِ أَو بَعدِه، فَيَطُوفُ بِالبَيتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ سَبعَةَ اَشوَاطٍ؛ وَحَلَّت لَه النِّسَاءُ. وَأَفضَلُ هَذِهِ الأَيَّامِ: اَوَّلُهَا وَإِن أَخَّرَه عَنهَا لَزِمَه شَاةٌ لِتَاخِيرِ الوَاجِبِ؛ ثُمَّ يَعُودُ إِلَی مِنیٰ فَيُقِيمُ بِهَا؛ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمسُ مِنَ اليَومِ الثَّانِي مِن اَيَّامِ النَّحرِ، رَمَی الجِمَارَ الثَّلَاثَ؛ يَبدَأ بِالجَمرَةِ الَّتِي تَلِي مَسجِدَ الخِيفِ، فَيَرمِيهَا بِسَبعِ حَصِيَّاتٍ مَاشِيًا يُكَبِّرُ بِكُلِّ حَصَاةٍ؛ ثُمَّ يَقِفُ عِندَهَا دَاعِيًا بِمَا أَحَبَّ حَامِدًا لِـلّٰهِ يتَعَالی مُصَلِّيًا عَلَی النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَيَرفَعُ يَدَيهِ فِي الدُّعَاءِ وَيَستَغفِرُ لِوَالِدَيهِ وَاِخوَانِهِ المُؤمِنِينَ؛ ثُمَّ يَرمِي الثَّانِيةَ الَّتِي تَلِيهَا مِثلَ ذَالِكَ وَيَقِفُ عِندَهَا دَاعِيًا؛ ثُمَّ يَرمِي جَمرَةَ العَقَبَةِ رَاكِبًا وَلَا يَقِفُ عِندَهَا.

فَإِذَا كَانَ اليَومُ الثَّالِثُ مِن أَيَّامِ النَّحرِ، رَمَی الجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعدَ الزَّوَالِ كَذَالِكَ؛ وَإِذَا أَرَادَ أَن يَتَعَجَّلَ، نَفَرَ اِلَی مَكَّةَ قَبلَ غُرُوبِ الشَّمسِ وَإِن أَقَامَ اِلَی الغُرُوبِ كُرِهَ وَلَيسَ عَلَيهِ شَئٌ؛ وَإِن طَلَعَ الفَجرُ وَهُوَ بِمِنیٰ فِي الرَّابِـعِ لَزِمَهُ الرَّميُ؛ وَجَازَ قَبلَ الزَّوَالِ؛ وَالاَفضَلُ، بَعدَه؛ وَكُرِهَ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ. وَكُلُّ رَميٍ، بَعدَه رَميٌ تَرمِيهِ مَاشِيًا لِتَدعُوَ بَعدَه وَإِلَّا رَاكِبًا لِتَذهَبَ عَقِبَه بِلَا دُعَاءٍ؛ وَكُرِهَ المَبِيتُ بِغَيرِ مِنیٰ لَيَالِيَ الرَّميِ؛ ثُمَّ إِذَا رَحَلَ إِلَی مَكَّةَ، نَزَلَ بِالمُحَصَّبِ سَاعَةً ثُمَّ يَدخُلُ مَكَّةَ وَيَطُوفُ بِالبَيتِ سَبعَةَ اَشوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَسَعيٍ إِن قَدَّمَهُمَا؛ وَهَذَا طَوَافُ الوَدَاعِ، وَيُسَمّی أَيضًا طَوَافَ الصَّدرِ. وَهَذَا وَاجِبٌ إِلَّا عَلَی أَهلِ مَكَّةَ وَمَن أَقَامَ بِهَا.

وَ يُصَلِّي بَعدَه رَكعَتَينِ؛ ثُمَّ يَأتِي زَمزَمَ فَيَشرَبُ مِن مَائِهَا وَ‌يَستَخرِجُ المَاءَ مِنهَا بِنَفسِه إِن قَدَرَ وَيَستَقبِلُ البَيتَ وَيَتَضَلَّعُ مِنهُ وَيَتَنَفَّسُ فِيه مِرَارًا وَيَرفَعُ بَصَرَه كُلَّ مَرَّةٍ يَنظُرُ إِلَی البَيتِ وَيَصُبُّ عَلَی جَسَدِه إِن تَيَسَّرَ وَإِلَّا يَمسَحُ بِه وَجهَه وَرَأسَه وَيَنوِي بِشُربِه مَا شَاءَ. وَكَانَ عَبدُاللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِی اللهُ عَنهُمَا إِذَا شَرِبَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ عِلمًا نَافِعًا وَرِزقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِن كُلِّ دَاءٍ».

وَ قَالَ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَاءُ زَمزَمَ لِمَا شُرِبَ لَه».

وَ يَستَحِبُّ بَعدَ شُربِه أَن يَّأتِيَ بَابَ الكَعبَةِ وَ‌يُقَبِّلَ العَتَبَةَ ثُمَّ يَأتِيَ إِلَی المُلتَزَمِ وَهُوَ مَا بَينَ الحَجَرِ الاَسوَدِ وَالبَابِ فَيَضَعُ صَدرَه وَ وَجهَه عَلَيهِ وَيَتَشَبَّثُ بِاَستَارِ الكَعبَةِ سَاعَةً يَتَضَرَّعُ اِلَی اللهِ تَعَالَی بِالدُّعَاءِ بِمَا أَحَبَّ مِن أُمُور الدَّارَينِ وَيَقُولُ: «اَللّٰهُمَّ إِنَّ هَذَا بَيتُكَ الَّذِي جَعَلتَه مُبَارَكًا وَّهُديً لِلعَالَمِينَ، اَللّٰهُمَّ كَمَا هَدَيتَنِي لَه فَتَقَبَّل مِنِّي وَلَا تَجعَل هَذَا آخِرَ العَهدِ مِن بَيتِكَ وَارزُقنِي العَودِ إِلَيهِ حَتَّی تَرضَی عَنِّي بِرَحمَتِكَ يَا اَرحَمَ الرَّاحِمِينَ».

وَالمُلتَزَمُ مِنَ الاَمَاكِنِ الَّتِي يُستَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ بِمَكَّةَ المُشَرَّفَةِ؛ وَهِيَ، خَمسَةَ عَشَرَ مَوضِعًا نَقَلَهَا الكَمَالُ بنُ الهُمامِ عَن رِسَالَةِ الحَسَنِ البَصَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ بِقَولِه: فِي الطَّوَافِ وَ‌عِندَ المُلتَزَمِ وَتَحتَ المِيزَابِ وَفِي البَيتِ وَعِندَ زَمزَمَ وَخَلفَ المَقَامِ وَ‌عَلَی الصَّفَا وَعَلَی المَروَةِ وَ‌فِي السَّعيِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَ‌فِي مِنیٰ وَ‌عِندَ الجَمَرَاتِ (انتهی).

وَالجَمَرَاتُ، تُرمَی فِي أَربَعَةِ اَيَّامٍ: يَومِ النَّحرِ وَثَلَاثَةٍ بَعدَه كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَ‌ذَكرنَا إِستِجَابَتَه أَيضًا عِندَ رُؤيَةِ البَيتِ المُكَرَّمِ.

وَ‌ يَستَحِبُّ دُخُولُ البَيتِ الشَّرِيفِ المُبَارَكِ إِن لَم يُوذِ أَحَدًا؛ وَيَنبَغِي أَن يَقصِدَ مُصَلَّی النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ‌ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيه؛ وَهُوَ: قِبَلَ وَجهِه وَ‌قَد جَعَلَ البَابَ قِبَلَ ظَهرِه حَتَّی يَكُونَ بَينَه وَبَينَ الجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجهِه قُربُ ثَلَاثَةِ أَذرُعٍ؛ ثُمَّ يُصَلِّي؛ فَإِذَا صَلَّی إِلَی الجِدَارِ، يَضَعُ خَدَّه عَلَيهِ وَيَستَغفِرُ اللهَ وَ‌يَحمَدُه ثُمَّ يَأتِي الأَركَانَ فَيُحَمِّدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسأَلُ اللهَ تَعَالَی مَا شَآءَ وَ‌يَلزِمُ الاَدَبَ مَا استَطَاعَ بِظَاهِرِه وَبَاطِنِه.

وَ لَيستِ البَلاطَةُ الخَضرَاء الَّتِي بَينَ العَمُودَينُِ مُصَلَّی النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَ‌سَلَّمَ؛ وَ‌مَا تَقُولُه العَامَّةُ: مِن أَنَّه، العُروَةُ الوُثقی، وَهُوَ مَوضِعٌ عَالٍ فِي جِدَارِ البَيتِ، بِدعَةٌ بَاطِلَةٌ لَا أَصلَ لَهَا. وَالمِسمَارُ الَّذِي فِي وَسَطِ البَيتِ يُسَمُّونَه سُرَّةَ الدُّنيَا، يَكشِفُ اَحَدُهُم عَورَتَه وَسُرَّتَه وَيَضَعُهَا عَلَيه، فِعلُ مَن لَا عَقلَ لَه؛ فَضلًا عَن عِلمٍ كَمَا قَالَه الكَمَالُ.

وَ إِذَا أَرَادَ العَودَ إِلَی أَهلِه، يَنبَغِي أَن يَّنصَرفَ بَعدَ طَوَافِه لِلودَاعِ وَ‌هُوَ يَمشِي إِلی وَرائِه وَ وَجهه إِلَی البَيتِ بَاكِيًا أَو مُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَی فِرَاقِ البَيتِ حَتَّی يَخرُجَ مِنَ المَسجِدِ وَيَخرُجُ مِن مَكَّةَ مِن بَابِ بَنِي شَيبَةَ مِن الثَنِيةِ السُّفلی.

وَالمَرأَةُ فِي جَمِيعِ أَفعَالِ الحَجِّ كَالرَجُلِ؛ غَيرَ أَنَّهَا لَا تَكشِفُ رَأسَهَا وَتَسدُلُ عَلَی وَجهِهَا شَيئًا تَحته عِيدانٌ كَالقُبَّةِ تَمنَعُ مَسَّه بِالغِطاءِ وَلَا تَرفَعُ صَوتَهَا بِالتَّلبِيَةِ وَلَا تَرمُل وَلَا تُهَروِلُ فِي السَّعي بَينَ المِيلَينِ الأَخضَرَينِ بَل تَمشِي عَلَی هِينَتِهَا فِي جَمِيعِ السَّعيِ بَينَ الصَّفا وَالمَروَةَ وَ‌لَا تَحلِقُ وَتُقَصِّرُ وَ‌تَلبَسُ المِخيَطَ وَلَا تُزَاحِمُ الرِّجَالَ فِي اِستِلامِ الحَجَرِ.

وَ هَذَا تَمَامُ‌ حَجِّ المُفرَدِ وَ‌هُوَ دُونَ المُتَمَتِّعِ فِي الفَضلِ؛ وَالقِرَانُ، أَفضَلُ مِنَ التَّمَتُّعِ.