فَصلٌ فِي زِيَارَةِ النَّبِيّ صَلَي اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّم عَلَي سَبِيلِ الاِختِصار تَبعًا لِمَا قَالَ فِي الاِختِيَارِ
لَمَّا كَانَت زِيَارَةُ النَّبِيّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مِن أَفضَلِ القُرَبِ وَأَحسَنِ المُستَحَبَّاتِ؛ بَل تَقرُبُ مِن دَرَجَةِ مَا لَزِمَ مِنَ الوَاجِبَاتِ فَإِنَّه صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم حَرَّضَ عَلَيهَا وَبَالَغَ فِي النُّدبِ اِلَيهَا؛ فَقَالَ: «مَن وَجَدَ سَعَةً وَلَم يَزُرنِي فَقَد جَفَانِي».
وَ قَالَ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَن زٰارَ قَبْرِي، وَجَبَتْ لَهُ شَفٰاعَتِي».
وَ قَالَ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَن زَارَنِي بَعدَ مَمَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي»؛ اِلَی غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الاَحَادِيثِ.
وَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ عِندَ المُحَقِّقِينَ؛ أَنَّه صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم حَيٌّ يُرزَقُ مُمَتَّعٌ بِجَمِيعِ المَلَاذِّ وَالعِبَادَاتِ غَيرَ أَنَّه حُجِبَ عَن أَبصَارِ القَاصِرِينَ عَن شَرِيفِ المَقَامَاتِ.
وَ لَمَّا رَأينَا اَكثَرَ النَّاسِ غَافِلِينَ عَن أَدَاءِ حَقِّ زِيَارَتِه وَمَا يُسَنُّ لِلزَّائِرِينَ مِنَ الكُلِّيَّاتِ وَالجُزئِيَّاتِ، اَحبَبنَا اَن نَذكُرَ بَعدَ المَنَاسِكِ وَاَدَائِهَا فِيهِ نُبْذةٌ مِنَ الادابِ، تَتمِيمًا لِفَائِدةِ الكِتَابِ؛ فَنَقُولُ:
يَنبَغِي لِمَن قَصَدَ زِيَارَةَ النَّبِيّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَن يُّكثِرَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيهِ فَإِنَّه يَسمَعُهَا وَتُبَلَّغُ اِلَيهِ؛ وَفَضلُهَا أَشهَرُ مِن أَن يُّذكَرَ. فَاِذَا عَايَنَ حِيطَانَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَة، يُصَلِّي عَلَی النَّبِيّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؛ ثُمَّ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُ نَبِيِّكَ وَمَهبَطُ وَحيِكَ فَامْنُن عَلَيَّ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَاجْعَلْهُ وِقَايَةً لِي مِنْ النَّارِ وَأَمَانًا مِنْ الْعَذَابِ وَاجعَلنِي مِنَ الفَائِزِينَ بِشَفَاعَةِ المُصطَفَی يَومَ المَابِ».
وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ قَبلَ التَّوَجُّهِ لِلزِّيارَةِ إنْ أَمْكَنَهُ وَيَتَطَيَّبُ وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ تَعظِيمًا لِلقُدُومِ عَلَی النَّبِيّ النبي صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؛ ثُمَّ يَدخُلُ المَدِينَةَ المُنَوَّرَةَ مَاشِيًا إِن أَمكَنَه بِلَا ضَرُورَةٍ بَعدَ وَضعِ رَكِبِهِ وَاِطمِئنَانِه عَلی حَشَمِه اَو أَمتِعَتِه مُتَوَاضِعًا بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ مُلَاحِظًا جَلَالَةَ المَكَانِ قَائِلًا: «بِسمِ اللهِ وَعَلَی مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؛ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً؛ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَی آلِ مُحَمَّدٍ؛ اِلی آخِرِه؛ وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَفَضلِكَ».
ثُمَّ يَدخُلُ المَسجِدَ الشَّرِيفَ فَيُصَلِّي تَحِيَّتَه عِندَ مِنبَرِهِ رَكعَتَينِ وَيَقِفُ بِحَيثُ يَكُونُ عَمُودُ المِنبَرِ الشَّرِيفِ بِحِذَاءِ مَنكَبِهِ الأَيمَنِ؛ فَهُوَ مَوقِفُ النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؛ وَمَا بَينَ قَبرِهِ وَمِنبَرِهِ رَوضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنَّةِ كَمَا أَخبَرَ بِهِ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَقَالَ: «مِنبَرِي عَلی حَوضِي».
فَتَسجُدُ شُكرًا لِلّٰهِ تَعَالی بِأَدَاءِ رَكعَتَينِ غَيرِ تَحِيَّةِ المَسجِدِ شُكرًا لِمَا وَفَّقَكَ اللهُ تَعَالی وَمَنَّ عَلَيكَ بِالوُصُولِ اِلَيهِ؛ ثُمَّ تَدعُو بِمَا شِئتَ؛ ثُمَّ تَنهَضُ مُتَوَجِّهًا اِلَی القَبرِ الشَّرِيفِ فَتَقِفُ بِمِقدَارِ أَربَعَةِ أَذرُعٍ بَعِيدًا عَنِ المَقصُورَةِ الشَّرِيفَةِ بِغَايَةِ الأَدَبِ مُستَدبِرَ القِبلَةِ مُحَاذِيًا لِرَأسِ النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَ وَجهِهِ الأَكرَمِ مُلَاحِظًا نَظَرَهُ السَّعِيدَ اِلَيكَ وَسِمَاعَه كَلَامَكَ وَرَدَّه عَلَيكَ سَلَامَكَ وَتَأمِينَه صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم عَلَی دُعَائِكَ؛ وَتَقُولُ: «اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا نَبِيَّ اللهِ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا حَبِيبَ اللهِ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا نَبِيَّ الرَّحمَةِ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا شَفِيعَ الأُمَّةِ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا سَيِّدَ المُرسَلِينَ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا خَاتَمَ النَّبِيّينَ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا مُزَّمِّلُ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا مُدَّثِّرُ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ وَعَلی أصُولِكَ الطَّيِّبِينَ وَأَهلِ بَيتِكَ الطَّاهِرِينَ الَّذِينَ أَذهَبَ اللهُ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطَهَّرَهُم تَطهِيرًا؛ جَزَاكَ اللهُ عَنَّا أَفضَلَ مَا جَزَی نَبِيًّا عَن قَومِهِ وَرَسُولًا عَن أُمَّتِهِ. أَشهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؛ قَد بَلَّغتَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّيتَ الأَمَانَةَ وَنَصَحتَ الأُمَّةَ وَأَوضَحتَ الحُجَّةَ وَجَاهَدتَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَقَّ جِهَادِه وَأَقَمتَ الدِّينَ حَتَّی أَتَاكَ اليَقِينُ؛ صَلَّی اللهُ عَلَيكَ وَسَلَّمَ وَعَلَی أَشرَفِ مَكَانٍ تَشَرَّفَ بحُلُولِ جِسمكَ الكَرِيمِ فِيهِ صَلاةً وَّسَلَامًا دَائِمَينِ مِن رَبِّ العَالَمِينَ عَدَدَ مَا كَانَ وَعَدَدَ مَا يَكُونُ بِعِلمِ اللهِ؛ صَلَاةً لَا اِنقِضَاءَ لِأَمَدِهَا؛ يَا رَسُولَ اللهِ! نَحنُ وَفدُكَ وَزُوَّارُ حَرَمِكَ؛ تَشَرَّفنَا بِالحُلُولِ بَينَ يَدَيكَ وَقَد جِئنَاكَ مِن بِلَادٍ شَاسِعَةٍ وَاَمكِنَةٍ بَعِيدَةٍ نَقطَعُ السَّهل وَالوَعرَ بِقَصدِ زِيَارَتِكَ لِنَفُوزَ بِشَفَاعَتِكَ وَالنَّظرِ اِلَی مَآثِرِكَ وَمَعَاهِدِكَ وَالقِيَامِ بِقَضَاءِ بَعضِ حَقِّكَ وَالاِستِشفَاعِ بِكَ اِلَی رَبِّنَا؛ فَإِنَّ الخَطَايَا قَد قَصَمَتْ ظُهُورَنَا وَالأَوزَارُ قَد أَثقَلَتْ كَوَاهِلَنَا وَأَنتَ الشَّافِعُ المُشَفَّعُ المَوعُودُ بِالشَّفَاعَةِ العُظمَی وَالمَقَامِ المَحمُودِ وَالوَسِيلَةِ؛ وَقَد قَالَ اللهُ تَعَالَی: وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم جَآءُوكَ فَاستَغفَرُوا اللهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا؛ وَقَد جِئنَاكَ ظَالِمِينَ لِأَنفُسِنَا مُستَغفِرِينَ لِذُنُوبِنَا، فَاشفَع لَنَا اِلَی رَبِّكَ وَاَسأَلْهُ أَن يُميتَنَا عَلی سُنَّتِكَ وَأَن يَحشُرَنَا فِي زُمرَتِكَ وَأَن يُورِدَنَا حَوضَكَ وَأَن يَسقِيَنَا بِكَأسِكَ غَيرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَی؛ الشَّفَاعَةَ الشَّفَاعَةَ الشَّفَاعَةَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ يَقُولُهَا ثَلَاثًا. رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلِاِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاِيمَانِ وَلَا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ».
وَ تُبَلِّغُه سَلَامَ مَن اَوصَاكَ بِه فَتَقولُ: «اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللهِ مِن فُلَانِ بنِ فُلَانٍ؛ يَتَشَفَّعُ بِكَ اِلَی رَبِّكَ فَاشفَع لَه وَلِلمُسلِمِينَ».
ثُمَّ تُصَلِّي عَلَيهِ وَتَدعُو بِمَا شِئتَ عِندَ وَجهِهِ الكَرِيمِ مُستَدبِرَ القِبلَةِ؛ ثُمَّ تَتَحَوَّلُ قَدرَ ذِرَاعٍ حَتَّی تُحَاذِي رَأسَ الصِّدِّيقِ أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَتَقُولُ: «اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا صَاحِب رَسُولِ اللهِ وَأَنِيسَه فِي الغَارِ وَرَفِيقَه فِي الأَسفَارِ وَأَمِينَه عَلَی الأَسرَارِ. جَزَاكَ اللهُ عَنَّا أَفضَلَ مَا جَزَی إِمَامًا عَن أُمَّةِ نَبِيِّهِ؛ فَلَقَد خَلَفتَه بِأَحسَنِ خَلفٍ وَسَلَكتَ طَرِيقَه وَمِنهَاجَه خَيرَ مَسلَكٍ وَقَاتَلتَ أَهلَ الرِّدَّةِ وَالبِدَعِ وَمَهَّدتَ الإِسلَامَ وَشَيَّدتَ أَركَانَه فَكُنتَ خَيرَ إِمَامٍ وَ وَصَلتَ الأَرحَامَ وَلَم تَزَل قَائِمًا بِالحَقِّ نَاصِرًا لِلدِّينِ وَلِأَهلِه حَتَّی أَتَاكَ اليَقِينُ؛ سَلِ اللهَ سُبحَانَه لَنَا دَوَامَ حُبِّكَ وَالحَشرَ مَعَ حِزبِكَ وَقَبُول زِيَارَتِنَا؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه».
ثُمَّ تَتَحَوَّلُ مِثلَ ذَلِكَ حَتَّی تُحَاذِيَ رَأسَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَتَقُولُ: «اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا أَمِيرِ المُؤمِنِينَ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا مُظهِرَ الإِسلَامِ؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ يَا مُكَسِّرَ الأَصنَامِ. جَزَاكَ اللهُ عَنَّا أَفضَلَ الجَزَاءِ؛ لَقَد نَصَرتَ الإِسلَامَ وَالمُسلِمِينَ وَفَتَحتَ مُعَظَّمَ البِلَادِ بَعدَ سَيِّدِ المُرسَلِينَ وَكَفَلتَ الأَيتَامَ وَ وَصَلتَ الأَرحَامَ وَقَوِيَ بِكَ الإِسلَامُ وَكُنتَ لِلمُسلِمِينَ إِمَامًا مَرضِيًّا وَهَادِيًّا مَهدِيًّا؛ جَمَعتَ شَملَهُم وَأَعَنتَ فَقِيرَهُم وَجَبَرتَ كَسِيرَهُم؛ اَلسَّلَامُ عَلَيكَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه».
ثُمَّ تَرجِعُ قَدرَ نِصفِ ذِرَاغٍ فَتَقُولُ: «اَلسَّلامُ عَلَيكُمَا يَا ضَجِيعَی رَسُولِ اللهِ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَرَفِيقَيهِ وَ وَزِيرَيهِ وَمُشِيرَيهِ وَالمُعَاوِنَينِ لَه عَلَی القِيَامِ بِالدِّينِ وَالقَائِمَينِ بَعدَه بِمَصَالِحِ المُسلِمِينَ؛ جَزَاكُمَا اللهُ أَحسَنَ الجَزَاءِ؛ جِئنَاكُمَا نَتَوَسَّلُ بِكُمَا اِلَی رَسُولِ اللهِ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم لِيَشفَعَ لَنَا وَيَسأَلُ اللهَ رَبَّنَا أَن يَّتَقَبَّلَ سَعيَنَا وَيُحيِينَا عَلَی مِلَّتِه وَيُمِيتَنَا عَلَيهَا وَيَحشُرَنَا فِي زُمرَتِه».
ثُمَّ يَدعُو لِنَفسِه وَلِوَالِدَيهِ وَلِمَن أَوصَاهُ بِالدُّعَاءِ وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ؛ ثُمَّ يَقِفُ عِندَ رَأسِ النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم كَالأَوَّلِ وَيَقُولُ: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلتَ وَقَولُكَ الحَقُّ: وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم جَآءُوكَ فَاستَغفَرُوا اللهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا؛ وَقَد جِئنَاكَ سَامِعِينَ قَولَكَ طَائِعِينَ أَمرَكَ مُستَشفِعِينَ بِنَبِيِّكَ إِلَيكَ، اَللَّهُمَّ رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلِآبَاءِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَاِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ؛ رَّبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَّفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؛ سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَی المُرسَلِينَ وَالحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ».
وَ يَزِيدُ مَا شَاءَ وَيَدعُو بِمَا حَضَرَه وَيُوَفِّقُ لَه بِفَضلِ اللهِ تَعَالَی.
ثُمَّ يَأتِي اُسطُوَانَةَ أَبِي لُبَابَةَ الَّتِي رَبَطَ بِهَا نَفسَهُ حَتَّی تَابَ اللهُ عَلَيهِ؛ وَهِيَ بَينَ القَبرِ وَالمِنبَرِ وَيُصَلِّيْ مَا شَاءَ نَفلًا؛ وَيَتُوبُ اِلَی اللهِ وَيَدعُو بِمَا شَاءَ؛ وَيَأتِي الرَّوضَةَ فَيُصَلِّي مَا شَاءَ وَيَدعُو بِمَا أَحَبَّ وَيُكثِرُ مِنَ التَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالثَّنَاءِ وَالاِستِغفَارِ؛ ثُمَّ يَأتِي المِنبَرَ فَيَضَعُ يَدَه عَلَی الرُّمَّانَةِ الَّتِي كَانَت بِه تَبَرُّكًا؛ بِأَثَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَمَكَانَ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ اِذَا خَطَبَ؛ لِيَنَالَ بَركَته صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؛ وَيُصَلِّي عَلَيهِ؛ وَيَسأَلُ اللهَ مَا شَاءَ.
ثُمَّ يَأتِي الاُسطُوَانَةَ الحَنَّانَةَ؛ وَهِيَ: الَّتِي فِيهَا بَقِيَّةُ الجِذَعِ الَّذِي حَنَّ اِلَی النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم حِينَ تَرَكَهُ وَخَطَبَ عَلَی المِنبَرِ حَتَّی نَزَلَ فَاحْتَضَنَه فَسَكَنَ. وَيَتَبَرَّكُ بِمَا بَقِيَ مِنَ الآثَارِ النَّبَوِيَّةِ وَالأَمَاكِنِ الشَّرِيفَةِ؛ وَيَجتَهِدُ فِي إِحيَاءِ اللَيَالِي مُدَّةَ إِقَامَتِهِ وَاغتِنَامِ مُشَاهَدَةِ الحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَزِيَارَتِه فِي عُمُومِ الأَوقَاتِ.
وَ يَستَحِبُّ أَن يَخرُجَ اِلَی البَقِيعِ؛ فَيَأتِي المَشَاهِدَ وَالمَزَارَاتِ؛ خُصُوصًا قَبرَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ حَمزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؛ ثُمَّ اِلَی البَقِيعِ الآخَرِ فَيَزُورُ العَبَّاسَ وَالحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ وَبَقِيَّةَ آلِ الرَّسُولِ رَضِی اللهُ عَنهُم؛ وَيَزُورُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عُثمَانَ بنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَإِبرَاهِيمَ بنَ النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَأَزوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَعَمَّتِهِ صَفِيَّةَ وَالصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم؛ وَيَزُورُ شُهَدَاءَ أُحُدٍ؛ وَإِن تَيَسَّرَ يَومَ الخَمِيسِ فَهُوَ أَحسَن؛ وَيَقُولُ: «سَلَامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَی الدَّارِ»؛ وَيَقرَأ آيَةَ الكُرسِيِّ وَالإِخلَاصِ إِحدَی عَشَرَةَ مَرَّةً وَسُورَةَ يس إِن تَيَسَّرَ وَيُهدِيْ ثَوَابَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ الشُّهَدَاءِ وَمَن بِجَوَارِهِم مِنَ المُؤمِنِينَ.
وَ يَستَحِبُّ أَن يَأتِيَ مَسجِدَ قُبَاءَ يَومَ السَّبتِ أَو غَيرَه وَيُصَلِّي فِيه؛ وَيَقُولُ بَعدَ دُعَائِهِ بِمَا أَحَبَّ: «يَا صَرِيخَ المُستَصرِخِينَ؛ يَا غِيَاثَ المُستَغِيثِينَ؛ يَا مُفَرِّجَ كُرَبِ المَكرُوبِينَ؛ يَا مُجِيبَ دَعوَةِ المُضطَرِّينَ؛ صَلِّ عَلَی سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِه وَاكشِف كُرَبِي وَحُزْنِي كَمَا كَشَفتَ عَن رَسُولِكَ حُزْنَه وَكُربَه فِي هَذَا المَقَامِ. يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ يَا كَثِيرَ المَعرُوفِ وَالاِحسَانِ يَا دَائِمَ النِّعَمِ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّی اللهُ عَلَی سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَّعَلَی آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيمًا دَائِمًا أَبَدًا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، آمِين.»